سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
البرغوتي : الفلسطينيون سيختارون بين نهجي أوسلو ومدريد ... ومحاولات لجعل الانتخابات شكلية لاكساب شرعية لطرف معين . انتخابات الرئاسة الفلسطينية : أبو مازن حاجة أميركية والاسرائيليون يخشون قيادة معتدلة
في التاسع من الشهر الجاري يتوجه الفلسطينيون الى مراكز الاقتراع لممارسة حقهم الديمقراطي في انتخاب رئيس للسلطة الفلسطينية. وتكمن أهمية الانتخابات انها تجرى في غياب الزعيم التاريخي للفلسطينيين ياسر عرفات ووسط مشاكل سياسية واقتصادية حادة يعيشها الفلسطينيون في ظل الاحتلال الاسرائيلي. ويشير معظم استطلاعات الرأي الى ان المنافسة الاكبر ستكون بين مرشح "فتح" رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس ابو مازن، ومرشح المستقلين الدكتور مصطفى البرغوتي الذي يلقى دعم بعض الاحزاب المعارضة. سبعة مرشحين بدأوا حملتهم الانتخابية في 25 كانون الأول ديسمبر الماضي. ومع اقتراب موعد التصويت تحتدم المنافسة على رغم الصعوبات الكبيرة التي يواجهها المرشحون وكوادرهم. اذ ان الحواجز والتعقيدات التي تفرضها اسرائيل تحد من حرية الحركة والتنقل وتعوق في شكل كبير العملية الانتخابية. وفيما تعلن الحكومة الاسرائيلية في كل مناسبة انها تسعى الى تسهيل العملية، الا انها في الواقع تواصل ممارساتها من اجتياحات ومداهمات، الأمر الذي يلقي بظلاله على الفلسطينيين ويشككهم في جدية وجدوى الانتخابات. ويقول رئيس اللجنة العليا للانتخابات المحلية جمال الشوبكي: "يشارك الفلسطينيون في الانتخابات رغبة في نيل الحرية والاستقلال، ولكن كيف لهم بمثل هذا الشعور في ظل الاحتلال المتواصل لاراضيهم". ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني هاني حبيب ان الاجواء الحالية التي تعيشها الاراضي الفلسطينية في ظل الانتخابات "تعكس اكتناز الوضع الفلسطيني في الحاجة الماسة الى اعادة الحياة للعمل الديموقراطي الوطني بخاصة ان الوضع في فلسطين لم يشهد منذ عام 1996 اي تحرك حقيقي في هذا الاتجاه". ويعزو ذلك الى "عاملين رئيسين: الاول يتعلق بالاحتلال ونجاحه في كثير من الاحيان في تدمير السلطة السياسية وادواتها في الاعوام الاربعة الماضية وبخاصة في العامين الماضيين خلال الفترة الثانية من حكومة شارون. والعامل الثاني، وهو الاهم، يعود الى انعدام الارادة السياسية لدى القيادة الفلسطينية في تعميم الديموقراطية الحقيقية، اذ ان هذه القيادة ترى ان قوتها وقدرتها على التأثير في الوضع الفلسطيني تكمنان في التأسيس لفردية القيادة وفردية الحزب الحاكم اللتين تحسمان بقاء سطوة هذه السلطة. لذلك ماطلت السلطة السياسية كثيرا وسدت اذنيها عن دعوات الاصلاح السياسي، وبالتالي ساهمت في غياب الانتخابات باعتبارها اهم معالم الديموقراطية". وعن اليوم التالي للانتخابات، يرى حبيب ان "السيناريو الاكثر احتمالاً هو فوز ابو مازن. وفي هذه الحال يمكن اقتناص فرصة ذهبية سانحة اكثر من اي وقت مضى نظراً لوجود جملة من المعطيات الدولية أهمها الانتكاسة التي تشهدها السياسة الاميركية - البريطانية في العراق وضرورة تحقيق انجاز سياسي في فلسطين". ويوضح: "امام الوضع الحالي دولياً فإن فلسطين ستشكل، من جهة، بديلاً لهذه السقطات في العراق. كما ان ابو مازن، وضمن برنامجه المعروف، قادر على احداث تأثير في المستوى السياسي الفلسطيني الداخلي، وسياسته المعتدلة ستؤثر دولياً. لذلك فان الوضع الذي ستفرزه الانتخابات سيفرض على حكومة شارون في نهاية الامر جملة من المعطيات، نجح شارون سابقاً في الافلات منها تحت شعار ان ليس هناك شريك فلسطيني وان ليس لدى الفلسطينيين الا سياسة الانتحاريين والقصف الصاروخي والمدفعي". ويعتبر حبيب ان "سياسة ابو مازن الواضحة تسمح بالتفاف القوى الدولية، بخاصة اميركا وبريطانيا، حول برنامجه. ولكن هناك مشكلة تواجه مثل هذا الخيار، وهي ان حكومة شارون تنجح دائما في خلق المبررات وايجاد الاسباب للمضي قدما في مخطط شارون الخاص. ومن هنا فإن رئيس الحكومة الاسرائيلية هو صاحب المصلحة الشخصية في عدم فوز ابو مازن لانه سيسحب البساط من تحت قدميه وسيفشل خطته. ليس من مصلحة شارون وجود قيادة فلسطينية معتدلة. بل ان مصلحته في الواقع تكمن في ايجاد طرف فلسطيني يؤمن العنف مما يسهل له تنفيذ سياسته الخاصة برضا اسرائيلي ودولي. وسيتيح ذلك له اكمال مشروعه لبناء الجدار الفاصل الذي يبنى على اساس حدودي وليس عنصريا، كما يطلق عليه معظم الفلسطينيين، لأن هذا المشروع سيؤدي الى وضع ينجح فيه شارون في عرقلة اي حل للحدود، تماما كما نجح في الحكومات السابقة عندما كان وزيرا للبنى التحتية. فهو الذي اسس البنية التحتية للاستيطان التي باتت اليوم امراً واقعاً. وكذلك الامر بالنسبة الى القدس التي تتعرض لعملية تهويد خطرة ستنتهي الى وضع يستحيل معه التفاوض حولها لتصبح امراً واقعاً". عقبات داخلية ويعتقد حبيب بأن "أبو مازن" سيواجه عقبات داخلية عدة ومن داخل حركة "فتح". "واذا رغب في اجراء تعديلات جوهرية وفق ما تتطلبه الظروف سيصطدم بفئات من المستفيدين من بقاء الوضع الحالي على حاله. مراكز القوى هذه لا مصلحة لها بالتغيير، وستنتفض ضد مشروع ابو مازن الاصلاحي". بين مدريدواوسلو دعم الاحزاب والحركات السياسية المعارضة للمرشح المستقل مصطفى البرغوتي، جعله اقوى المنافسين امام "أبو مازن" مرشح اكبر التنظيمات الفلسطينية. وعلى رغم الفارق الشاسع الذي تظهره استطلاعات الرأي بين الرجلين، يرى البرغوتي في ذلك "دعاية تروج لها وسائل الاعلام التي حسمت منذ الان، وفي شكل غير صادق، النتيجة لمصلحة ابو مازن". ويؤكد ان الشارع الفلسطيني "يتجاوب بأكثريته" مع برنامجه، وأن الفلسطينيين سيختارون بين "مدريد والشرعية الدولية" متمثلة في برنامجه و"اوسلو والتنازلات" متمثلة في برنامج ابو مازن. ويتساءل: "لماذا ابو مازن الوحيد الذي يتجول بحرية مطلقة بين رام اللهوغزة فيما يتعرض بقية المرشحين للاهانات والاعتداءات والاستفزازات؟". ويبدي البرغوتي تفاؤلاً كبيراً بنتائج الانتخابات "لأن الفلسطينيين بكل بساطة متعطشون للديموقراطية من خلال تغيير الروح التي سادت السلطة على مدار سنوات طويلة. الناس سئمت الفئوية وهناك تعطش كبير للتغيير. الفلسطينيون يرون ان الكفاح والمقاومة ضد الاحتلال مع ترسيخ استقلالية القرار هما الطريق نحو دولة فلسطينية". ويضيف: "على رغم وجود 703 حواجز، والعراقيل التي تضعها اسرائيل الا ان الفلسطينيين مصممون على حقهم في الانتخابات والمشاركة فيها. والمزعج ان العالم كله يرى كيف تصرح اسرائيل تصرح بشيء وتمارس عكسه على أرض الواقع، ولا نرى جهداً دولياً لارغامها على احترام تعهداتها". ويعرب البرغوتي عن خشيته من أن تكون هناك محاولات "لجعل الانتخابات شكلية لاكساب شرعية لطرف معين. اذ لا نرى هذا الاهتمام الدولي بنزاهة العملية الانتخابية في دول أخرى. هناك محاولات للتدخل من خلال الادعاء بأن النتيجة محسومة، وقد ساهم بعض وسائل الاعلام العربية في ذلك الى جانب اطراف دولية". ولكن الاستطلاعات تظهر فارقاً شاسعاً بينكما؟ يؤكد البرغوتي ان "الواقع يناقض نتائج هذه الاستطلاعات. ما نراه ان هناك منافسة حادة بين نهج اوسلو والاتفاقات الجزئية والانتقالية ورهن الموقف الفلسطيني بالضغوط الخارجية، والنهج الذي نمثله القائم على الدمج بين الكفاح الشعبي الفلسطيني وحركة تضامن فعالة دوليا. المنافسة بين نهج أوسلو الذي يتكل على الاطراف الدولية وارضائها ونهج لاهاي الذي يتكل على كفاح الشعب الفلسطيني وتصميمه على حقه وشرعيته". ويضيف: "نحن نمثل جيلاً جديداً ونهجاً جديداً يعتقد بطريقة علمية وموضوعية وعصرية في ادارة الصراع مع اسرائيل من اجل الوصول بالشعب الفلسطيني الى اهدافه، لأن الخيارات ليست كما يطرحها الاخر: إما كفاح او مفاوضات. نحن نطرح الاثنين معاً. لدينا ايمان بقدرة شعبنا على الصمود. وأثبت نهجنا فاعليته من خلال قيادة الحملة الدولية لوقف بناء الجدار الفاصل ومن خلال الاف المتطوعين الذين جاؤوا الينا كدروع بشرية، كما أثبت هذا النهج صحته في قرار المحكمة الدولية في لاهاي باعتبار بناء الجدار غير شرعي". لكن أبو مازن تعهد أخيراً في افتتاح معركته الانتخابية التمسك بالثوابت الفلسطينية وفي مقدمها حق العودة والقدس وحدود 1967؟ يرى البرغوتي ان هذه "شعارات يطلقها ابو مازن لكسب الاصوات الفلسطينية. لكنه في ما بعد سيعود الى السلطة حيث الفساد والفئوية. واذا اردنا ان نتحدث عن نضال ابو مازن فأين كان طوال فترة الانتفاضة. وعلينا ألاننسى خطاب العقبة الذي يمثل نهج الاتفاقات الجزئية. قضيتنا تحتاج الى حل دائم ونحن نرفض التفاوض الجزئي الانفرادي بيننا وبين الاسرائيليين لأن المفاوضات الانفرادية من دون الاستناد الى الشرعية الدولية والمرجعية تحقق فقط ما يريده الاسرائيليون". وعما سيفعله في حال انتخب رئيسا للسلطة الفلسطينية؟ يجيب: "سندعو الى عقد مؤتمر مدريد ثان، لأننا اذا اردنا سلاماً حقيقياً علينا ان نعود الى مؤتمر دولي مثل مدريد لنراجع فيه عملية السلام والى اين وصلت. وضعنا اليوم كمن يضع نمرا مفترسا في غرفة مع خروف وما علينا الا الموافقة على ما تعرضه اسرائيل". وعن رؤيته لاجراء الاصلاحات يؤكد انها تتضمن "أولاً اجراء انتخابات فورية للمجلس التشريعي، وحل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية او حكومة موقتة للاشراف على الانتخابات في المجلس التشريعي ثم تتشكل الحكومة الجديدة وفق ارادة اعضائه الجدد. وسنعمل على استدعاء خيرة خبراء القانون لوضع نظام مستقل، وسنعيد النظر في كافة الموارد المالية واجتثاث الفساد واحداث اصلاح شامل وايجاد تفسير لأوجه انفاق 6.5 بليون دولار من المساعدات للفلسطينيين على مدار عشر سنوات". وعن رؤيته للوضع في حال انتخاب ابو مازن؟ قال: "ابو مازن لن يجري اي تغيير. ربما أجرى اصلاحاً هنا او هناك. لكن الفئة المتحكمة نفسها ستعود. وحتى اليوم، وفي عز المعركة الانتخابية، لا نرى اي طرح لابو مازن يختلف عن الفترة السابقة. وأعني هنا قراره المشاركة في مؤتمر لندن. وحتى احمد قريع ابو العلاء يختلف مع ابو مازن في هذا الموضوع، لأن هذا ليس مؤتمرا دوليا بل مؤتمر تهذيبي للسلطة الفلسطينية وهو امر مرفوض. هناك حاجة لعقد مؤتمر دولي لمحاسبة اسرائيل على سلوكها ولتهذيبها. وفي نظرة سريعة الى السنوات العشر الماضية لا نلحظ اي تغيير. وأخشى ان تكون شعارات التمسك بالثوابت ليست الا وسيلة لتمرير الانتخابات ثم العودة للتمسك بالسلطة"! ابو مازن: متمسكون بالثوابت في المقابل يؤكد أحد كبار مستشاري ابو مازن "اننا في مدريد ولاهاي واوسلو معاً. كلها انجازات فلسطينية حققناها على رغم انف التيار اليميني المسيطر في اسرائيل. واذا تم اجهاض شيء من هذه الانجازات، فان السبب في ذلك هو القيادة الاسرائيلية أولاً وقبل كل شيء. ونرجو ألا تؤدي المعركة الانتخابية الى تشويش الامور لدى بعض الاخوة". وأكد المستشار ان ابو مازن "يقول في تصريحاته العلنية ما يقوله في الجلسات المغلقة. وهو متمسك بالثوابت الاساسية، وفي مقدمها الحق في تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة على الاراضي المحتلة منذ العام 1967، اي الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدسالشرقية، وايجاد حل عادل لقضية اللاجئين على اساس قرارات الاممالمتحدة، واطلاق كل الاسرى من السجون الاسرائيلية. وسيعمل بعد انتخابه كل ما في وسعه من اجل انهاء معاناة الشعب الفلسطيني على هذه الاسس، كما فعل ذلك حتى الان، من خلال رؤية حكيمة للاوضاع وقراءة مسؤولة للخريطة السياسية الدولية والاقليمية، وفي صلبها وقف العمل المسلح والتوصل الى هدنة واعتماد الكفاح الشعبي والسياسي والدولي، وتطوير الحوار الفلسطيني الداخلي وتعميقه وتحريم الاقتتال الفلسطيني، والسعي بكل قوة من اجل العودة الى طاولة المفاوضات وسحب البساط من تحت اقدام اولئك الذين يتهمون الجانب الفلسطيني برفض السلام فيما هم يمارسون ابشع انواع العنف ضد شعبنا الفلسطيني". وعن تفسيره لاستثناء أبو مازن من التنكيل على الحواجز الاسرائيلية أسوة ببقية المرشحين، يجيب ان "بو مازن بات شخصية عالمية، وهذا يغيظ اوساطاً عديدة في اسرائيل لا تريد للشعب الفلسطيني ان يكون له قائد مقبول في العالم. وهي تحذر في التعامل معه. وكنا قد اتفقنا مع اسرائيل، من خلال لجان التنسيق الميدانية لتسهيل الانتخابات، ان يحصل كل مرشح على تصريح تنقل لمدة 24 ساعة. وحصل كل المرشحين على التصريح، باستثناء واحد يتنقل من دون استخدام التصريح. وجنود الاحتلال يستغلون ذلك ضده بوقاحتهم وشراستهم المعهودة . ويصرون على ان على هذا المرشح ان يتزود بالتصريح. وقد استنكرنا تصرف الاحتلال هذا بشدة، وطلبنا تدخل اوساط اوروبية وأميركية لوقفه". لكن هناك شعوراً بأن الفلسطينيين يحتاجون الى تغيير جذري للقيادة الفلسطينية؟ يجيب مستشار أبو مازن متسائلاً: "تغيير من؟ الرئيس الراحل ياسر عرفات غاب عنا في ظروف اليمة للغاية. وابو مازن تسلم زمام الامور في شكل موقت. ونحن ذاهبون الى انتخابات حرة. واضح ان لدى ابو مازن برنامجاً سياسياً لتغيير اوضاع الشعب الفلسطيني ووقف مأساته، وبرنامجاً واضحاً للاصلاح في جميع مؤسسات السلطة، بما فيها الاجهزة الامنية والقضاء والمؤسسات المالية. وهو يسير على مبدأ ان القانون فوق الجميع. ولا احد فوق القانون". ويؤكد ان "ابو مازن هو مرشح فتح بكل قواها"، مشيراً الى ان "الحركة ستعقد مؤتمرها في الرابع من آب اغسطس المقبل من اجل اعادة ترتيب بيتها وتنظيم امورها وانتخاب مؤسساتها من جديد". وعن اتهام أبو مازن بأنه يعتمد فقط خيار التفاوض بعيداً من الكفاح، يقول: "لا. لأن المفاوضات التي نخوضها جزء اساس لا يتجزأ من كفاحنا الفلسطيني من اجل الحرية والاستقلال. هناك من يحسب ان المفاوضات هي جلسات متعة، او يحسب ان الكفاح هو هدفنا، وبذلك يكون مخطئاً. لقد تعبنا من الشعارات القديمة التي تتكرر ليل نهار ولا تتغير في اي ظرف. ان القيادة السليمة للشعب الفلسطيني يجب ان تكون قادرة على استيعاب توازن القوى الدولي والاقليمي وفهم مصلحة الشعب الفلسطيني وقدراته الكفاحية وتوظيف هذه القدرات في الوقت والمكان المناسبين. من هنا، نرى بوضوح وصراحة، ان مصلحة الشعب الفلسطيني تقتضي وقف العمل المسلح والدخول في مفاوضات شفافة هدفها التخلص من الاحتلال والتوصل الى سلام. وهذا هو برنامجنا السياسي المطروح في الانتخابات، وكلنا ثقة بأن شعبنا الفلسطيني سيؤيده".