1 لست شغوفاً بمشاهدة أفلام الأكشن الحركة، باستثناء الأكشن الوطني لأنه يساعد على فهم الموقف من الآخر وآلية التعامل معه. البطل الشهير رامبو قدم للسينما العالمية أفلاماً عديدة، يمثل من خلالها الحلم الأميركي المخلّص من الظلم والظلام... في فيتنام، وأفغانستان، وكوريا، وبورما وغيرها. وكنت أتساءل دوماً لماذا لم يذهب"رامبو"إلى فلسطين في إحدى حلقات سلسلته المجيدة؟! وأدركت الإجابة أخيراً، فرامبو يذهب إلى المناطق الموبوءة بالقتال ليقاوم فيها، كما أسلفت، الظلم والظلام، يقاوم الظلم ببطش العدالة الأميركية... ويقاوم الظلام بعصر الأنوار الأميركي. إذا كانت هذه هي أجندة رامبو القتالية في كل أفلامه، فكيف سيفعل لو ذهب إلى فلسطين إسرائيل؟ كيف سيستطيع أن يفصل بين الظلم الإسرائيلي والظلام الفلسطيني؟ فالوباء القتالي الفلسطيني / الإسرائيلي حال استثنائية مميزة بين حالات العالم الأخرى. وحتى لو افترضنا وجود من يستطيع الفصل بين الظلم والظلام في الحال الفلسطينية / الإسرائيلية، فإن آخر من يستطيع إعلان ذلك هو المواطن الأميركي، وبالذات في مثل حال رامبو الذي يمثل وزير الدفاع بالأحرى وزير الهجوم في حكومة الظل الأميركية! 2 عاد الممثل الأميركي سيلفستر ستالون وهو في الستين من عمره الآن إلى أدوار رامبو بعد انقطاع، ولم يتغير فيه بسبب عامل السن سوى شيء واحد، إنه لم يعد يستهلك جزءاً كبيراً من وقت الفيلم في استعراض فنون القتال الفردي كما كان في أفلامه السابقة. فهو في هذا الفيلم الأخير استطاع أن يقتل جيشاً بكامله، كالعادة، ولكن من خلال الجلوس خلف رشاش محمول على عربة قتال، ولم يكن جهده فيها يتجاوز تحريك شريط الرصاص لتغذية الرشاش بالقذائف المتوالية. أين رامبو الذي كان يجندل الناس بالمبارزة الفردية الأخاذة؟ هل فقد رامبو هيبته الذاتية مثلما فقدت أميركا هيبتها الجماعية؟ هل أصبح رامبو مضطراً للقتل الجماعي بالرشاش وعن بُعد، مثلما غدا الجيش الأميركي مضطراً لذلك في مشاركاته العسكرية هنا وهناك؟! هل يمثل رامبو حقاً صورة سينمائية مصغرة للقوة الأميركية، ولذا يعتريه من الأعراض وتحولات القوة والضعف ما يعتري القوة الأميركية الحقيقية الصورة السينمائية المكبرة؟! 3 في الفيلم الأخير من رامبو يدور جدال بينه وبين مجموعة استكشافية قتالية من الغرب جاءت للبحث عن بعثة أوروبية خيرية فُقدت في منطقة القتال. الجدال لا يخلو بالطبع من نزق رامبو المعهود، الذي يذكّرنا بنزق وزير الدفاع الأميركي الأسبق رامسفيلد رامبو الكبير. لكن رامبو يحسم الجدال بعبارة رنانة ينتفض لها الممثلون، والمشاهدون في صالة السينما، لا يمكن وصفها بأكثر من أنها عبارة طالبانية بحقّ، حسب التصنيف الإيديولوجي الحديث، إذ يقول: Live for nothing or die for something وهي شبيهة إلى حد كبير بالعبارة الجهادية: الموت في سبيل هدف خير من الحياة من دون هدف، أو ما شابهها من العبارات العديدة والمتنوعة في ذات السياق. وهو ما قسم العالم إلى شطرين: شطر يرى الآخرين يعيشون دوماً بلا هدف، وشطر يرى الآخرين يموتون دوماً بلا هدف، ما يشي بأن المبدأ الأساسي لعمليات رامبو شبيه ومماثل للمبدأ الأساسي لعمليات بن لادن و"القاعديين"كافة. وإذا ذاك سيصبح من المتعذر فرز الإرهابيين من المناضلين، ما دام أن رامبو يعتقد بأنه لا شيء في الحياة يستحق العيش إذا لم يزاول"هواية"القتال والحرب بين حين وآخر، مثلما يمارس لاعبو الغولف لعبتهم المفضلة. الفارق أن حفرة الغولف أصغر قليلاً من الحفرة التي يتقاتل فيها الشيخان رامبو وبن لادن!! * كاتب سعودي