سارت موسكووبغداد خطوة مهمة على طريق تعزيز التعاون الثنائي وتنشيط الجهود لإعادة العلاقات بين البلدين إلى مستواها السابق. وتزامن توقيع الجانبين على اتفاق خاص شطبت موسكو بموجبه الجزء الأعظم من ديون العراق مع إعلان مسؤولين روس عن توجه لتعزيز الوجود الروسي في العراق عبر توظيف أربعة بلايين دولار في قطاع الطاقة. وأسدل الجانبان الروسي والعراقي أمس الستار على مرحلة طويلة من الفتور الذي سيطر على العلاقات بين البلدين. وجاء توقيع تفاق شطب الديون العراقية المستحقة لروسيا ليطلق مناخاً جديداً من التعاون بحسب وصف مصادر روسية حضرت أمس محادثات وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والعراقي هوشيار زيباري في موسكو. وبحسب الاتفاق الذي استند إلى تعهدات موسكو في"نادي باريس"توافق روسيا على شطب 93 في المئة، أي ما يعادل 12 بليون دولار من مجموع الدين البالغ بحسب الاتفاق 12.9 بليون دولار. وكان الجدل حول حجم الديون وشروط توقيع الاتفاق استمر فترة طويلة بسبب إصرار موسكو على ربط هذا التطور مع تعهد عراقي باحترام العقود الروسية الموقعة في العراق منذ عهد النظام السابق. ويفسح توقيع الاتفاق الجديد المجال أمام تطبيع العلاقات وتنشيط التعاون في المجالات المختلفة، خصوصا أن بغداد كانت تنظر بحذر إلى ما اعتبرته تحفظاً روسياً عن التعامل مع الحكومة العراقية، وتجلى ذلك، بحسب مسؤولين عراقيين، بإحجام السياسيين الروس عن زيارة بغداد طيلة السنوات السابقة. وتزامن توقيع اتفاق شطب الديون مع توقيع مذكرة التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني بين البلدين وهي تضع، كما يقول الطرفان، أساساً قانونياً لاستئناف تعاون البلدين في المجالات المختلفة. وقال زيباري إن المذكرة تفتح الباب أمام روسيا للمشاركة في كل المشاريع والمناقصات التي ستنظم في العراق. وأكد أن بغداد تثمن تعاون البلدين على مدار عقود في كل المجالات وتسعى لتطوير هذا التعاون حالياً في شكل بناء. من جانبه لفت وزير الخارجية الروسي إلى عزم الشركات الروسية المساهمة بشكل فاعل في عملية إعادة بناء العراق. وقال في مستهل لقائه نظيره العراقي إن بلاده تأمل في"إطلاق مشاريع مشتركة في مجالي النفط والغاز والطاقة عموما". وأضاف أن توقيع الاتفاق الخاص بتسوية الديون المستحقة على العراقلروسيا يدل على ما تبذله روسيا من جهود لإعادة بناء الاقتصاد العراقي. وأشار إلى أن شركات الطاقة الروسية تعمل في هذه الظروف المعقدة التي يمر بها العراق منذ فترة طويلة في بغداد والبصرة وغيرهما من المدن العراقية. سياسيا، أكد لافروف أهمية تعزيز الأمن وتحقيق المصالحة الوطنية في العراق من أجل استقرار الوضع في هذا البلد الأمر الذي يساعد على تطوير التعاون التجاري الاقتصادي بين روسياوالعراق وتنمية الاقتصاد العراقي عموما. واللافت أن موسكو تعمدت توجيه"رسالة إيجابية"إلى الحكومة العراقية خلال وجود وزير الخارجية في روسيا، إذ أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس السوفيات الشيوخ ميخائل مارغيلوف أن الحديث عن ضرورة انسحاب القوات الأميركية من العراق لا يغدو واقعياً قبل أن يتوصل العراقيون إلى صيغة شاملة للوفاق الوطني والمصالحة الداخلية، علما بأن القيادة الروسية كانت أعلنت سابقا ضرورة تحديد جدول زمني لانسحاب الأميركيين من العراق. وسارع الروس أمس إلى استغلال المناخ الإيجابي الذي طرأ على العلاقات إذ أعلن نائب رئيس الوزراء وزير المال إليكسي كودرين عن استعداد بلاده لتوظيف استثمارات كبرى في العراق تصل إلى نحو أربعة بلايين دولار، وأضاف أنه لدى شركتي"تيخ بروم اكسبورت"و"إنتر إينيرغو سيرفيس"استثماراتهما في العراق، كما تتهيأ"زاروبيج نفط"و"لوك أويل"وماشينو إيمبورت"لتوظيف استثمارات جديدة، علما بأن الشركات الأربع المذكورة تعمل في قطاع الطاقة . وذكرت"رويترز"ان موسكو أصرت على انعاش عقد ببلايين الدولارات ابرم عام 1997 مع"لوك اويل"في عهد الرئيس السابق صدام حسين لتطوير حقل غرب القرنة العراقي الضخم، لكنها طردت من العراق قبل بدء الحرب بسبب خلافات مع النظام القائم آنذاك. وهي تتنافس اليوم للحصول على حقوق استغلال هذا الحقل. وكان مسؤولون عراقيون قالوا ان روسيا تريد كذلك المشاركة في تطوير حقل الرميلة مقابل شطب الديون. وكان المحللون يتشككون منذ فترة طويلة بشأن فرص عودة"لوك اويل"لحقل غرب القرنة، أحد اكبر احتياطات العراق نظراً الى النفوذ الاميركي القوي على حكومة العراق.