ما كل الآباء يأكلون الحصرم فيضرس أبناؤهم، بل ثمة آباء يفتحون كروم المعرفة أمام أبنائهم وبناتهم ويروون بذور الموهبة الواعدة لديهم، فكيف لو كان الأب محمد يونس، البنغالي الحائز جائزة نوبل للسلام 2006 عن مشروعه الاقتصادي الرائد لدعم استثمارات الفقراء في بلاده والعالم. ابنته مونيكا تفتتح"مهرجان البستان"اللبناني هذا الموسم بصوت أدهش عشاق الاوبرا حيثما أنشدت . بل وخلال سنوات قليلة بعد تخرّجها في معهد جوليارد الشهير أصبحت مونيكا يونس في عداد طليعة مغنيات السوبرانو ، قمة الاداء النسوي في الغناء الاوبرالي. عازفو الاوركسترا الوطنية اللبنانية وعازفاتها بقيادة المايسترو كارل سولاك يدعمون انشادها، غداً وبعد غد، في مقطوعات مختارة لموتسارت وغينو وفيردي ودونيزيتي وبوتشيني وغيرهم. اما هي فتحمل الينا قصة طفلة مولودة في شيتاغونغ عام 1977 لأم روسية وأب بنغالي، غادرت بنغلادش مع والدتها إلى الولاياتالمتحدة حيث التحقت بجديها الروسيين وترعرعت على حب الموسيقى منذ صغرها. تقول مونيكا إنها بدأت تتلقى دروس الغناء في شكل متواصل مذ كانت في الحادية عشرة. وكانت جدتها تلقنها الأغاني الروسية وتسهر على تنمية موهبتها، تقول:"أحببت الأوبرا بسبب ما تحتويه من تبادل في الشحنات العاطفية بين المؤدي والجمهور". وبعد سنوات على مغادرتها بنغلادش عادت مونيكا إلى دكا للمرة الأولى باحثة عن جذورها، متشوقة لمعرفة الموسيقى الوطنية المليئة بالقصص التي تعكس تراثًا شفوياً أبرز ما فيه مسرح غنائي يدعى"جترا"وجدت فيه مقاربة أوبرالية لم تكن تتوقعها ما اثار فيها الحماسة لدرس لغتها الأم علمًا انها تعرف الفرنسية والروسية والألمانية والإيطالية والإسبانية والإنكليزية. كانت عودتها حدثاً وطنياً توجته بسهرة إنشاد أوبرالي لمتذوقي هذا الفن استهلتها بالقول:"لطالما أخبرتني امي ان بعض الحاضرين هنا سمعوا صيحاتي الاولى وان بعد حفلة الليلة سأجعلكم تتذكرون!" وطدت مونيكا يونس سمعتها في طليعة منشدات الأوبرا من الصف الأول ووصفتها"نيويورك تايمز"بصاحبة الثراء الإدائي والحساسية العاطفية الآسرة. وقالت معلقة لمجلة الأوبرا الإحترافية ان إداءها العذب والقوي والرقراق يحفز الجمهور لاستيعاب اللحظة الدرامية وفي الوقت نفسه هو مطواع ودينامي. منذ تخرجها في معهد جوليارد وفوزها بجائزة اوبرا فلوريدا وهي تحصد الجوائز وتقوم بدورات متواصلة على ضفتي المحيط الأطلسي وتؤدي أدوار البطولة الكلاسيكية المعروفة في الأوبرات الشهيرة مثل بارباريتا في"عرس الفيغارو"ونورينا في"دون باسكوالي"ولوشيا في"ملهاة الحب"وزيرلينا في"دون جيوفاني"وغيرها، إلا أنها لم تهمل، في خضم هذا النجاح المبكر، تأثرها العميق بالحس الإنساني الذي ورثته عن والدها فبعد اعصار كاترينا الذي أطاح بمدينة نيو أورلينز الأميركية اتفقت مع تسعة موسيقيين آخرين على احياء حفلات خيرية يعود ريعها مناصفة الى لجنة اغاثة المدينة ولسد حاجات موسيقييها الذين فقدوا آلاتهم ومصدر عيشهم. سرّها؟"الحظ، المثابرة، الموهبة، في أي ترتيب تشاء".