أنهى اتحاد كتاب المغرب أعمال مؤتمره الوطني السابع عشر بالتجديد لرئيسه السابق عبدالحميد عقار، وانتخاب مكتب جديد ضمّ في غالبيته عناصر المكتب القديم نفسها مع غياب النساء عن تشكيلته. وأقر الاتحاد بعض التعديلات الشّكلية في قوانينه مثل تخفيض عدد أعضاء المكتب إلى تسعة وتغيير اسمه من المكتب المركزي إلى التنفيذي. ولم يركّز المؤتمر على قضايا مهمة كالوضع الاعتباري للكاتب المغربي أو التفكير في تحويل الاتحاد إلى نقابة للأدباء كما كان يرغب الكثير من أعضائه. وقال عبدالحميد عقار ل"الحياة"معلقاً على فوزه من جديد برئاسة الاتحاد:"إن انتخابي مرة ثانية، يُعدّ تشريفاً لي وتقديراً لتجربة ثلاث سنوات عرفت عطاء ثقافياً وإبداعياً لاتحاد كتاب المغرب، وأعتبره تكليفاً لي ولإخوتي في المكتب التنفيذي"بحيث سنواصل تطوير الاتحاد وإغناء المشهد الثقافي والمساهمة في دينامية التحول التي يعرفها المغرب والعالم". وقال عقار إن مسار اتحاد كتاب المغرب سيعرف انعطافات إيجابية تعزّز المكتسبات وتجتهد لتجاوز العثرات. ولعل أهم رهان طَرَحَتْهُ نقاشات المؤتمر هو ضرورة تطوير الحضور النقدي لاتحاد الكتاب وضرورة تجديد أساليب تدبير شؤونه وبنيته التنظيمية بما يعزّز الممارسة الديموقراطية والشفافية وإعادة الاعتبار التام الى الشأن الثقافي كي يصبح مصدراً ومرجعاً لسلطة القرار. وهناك أيضاً رهان آخر - يضيف عقار،"هو تعزيز العلاقات الثقافية المغربية المغاربية والعربية، ومواصلة الاشتغال النقدي والمعرفي على ما يميّز المشهد الثقافي المغربي من تعددية وتنوع معرفي خصب...". أمور مهمة يطرحها رئيس اتحاد كتاب المغرب كبرنامج للدورة المقبلة، وهو الذي استبق نقاش التقريرين الأدبي والمالي بالتعبير عن رغبته في استكمال ما بدأه خلال السنوات الماضية. لكن الكثير من الكتاب كان لهم رأي آخر أثناء نقاش التقريرين، فعضو المجلس الوطني مصطفى لغتيري رأى أن في الفترة الماضية ضَعُفَ الاتحاد وانزوى، والمجلس الوطني للاتحاد لا يملك أي قوة اقتراحية، لذلك نصح لغتيري الذين يرغبون في الترشّح لعضوية المجلس بالصمت، ما دام المكتب يتخذ كل القرارات. "لم يستطع المؤتمر بلورة تصوّر متكامل للمسألة الثقافية، ودور الثقافة داخل المجتمع في ظل مجموعة من التحولات العميقة التي يعرفها المغرب والعالم"، يعلّق الشاعر محمد أحمد بنيس، وهذا في رأيه"يرتبط بغياب أفق اجتماعي وثقافي واضح لدى النخبة الثقافية المغربية". أما لماذا عاش اتحاد كتاب المغرب أخيراً فترة انغلاق، كاد معها يتحول إلى جمعية عادية لا تصل إلى مستوى جمعيات أخرى نشطة كمجموعة البحث في القصة ومختبر السرديات، فإن السبب في ذلك بالنسبة الى الطاهر الطويل"يرتبط بغياب وسائل التواصل الداخلي، فقد فشل اتحاد الكتاب حتى الآن في تحقيق الإنجاز المطلوب منه كمؤسسة كبيرة، ومجلة اتحاد الكتاب تصدر من دون أن يكلّف المكتب نفسه حتى مجرد إعلام الأعضاء بصدورها". وهو أمر يتفق معه الشاعر ياسين عدنان تماماً، إذ يقول:"إن أعطاب الاتحاد هي في جزء منها بسبب نقص التواصل، ولكن أيضاً بسبب أعطاب الفروع، لأن الذاتية أو الأنانية تطغى". ويدعو ياسين إلى ضرورة الاهتمام بالموقع الالكتروني، وتحقيق التواصل الداخلي. في السياق ذاته، تتمنى الكاتبة الزهرة رميج على الاتحاد أن يساهم في التعريف بأعمال أعضائه والاحتفاء بإصداراتهم وتنظيم توقيعات لهم من أجل المساهمة في إيصال الكتاب إلى كل المناطق والإسهام في حل مشكل تدني مستويات القراءة، وتقترح أن يحاول الاتحاد امتصاص غضب الكثير من الأعضاء الذين انسحبوا من الاتحاد، بسبب مشكلات سابقة. تمتلك الكاتبتان المغربيتان ربيعة ريحان وليلى الشافعي حضوراً طيباً في المشهد الإبداعي المغربي، لكن ترشّحهما لم يُفض إلى نتيجة لمصلحة النساء، إذ تمّ انتخاب تسعة ذكور دفعة واحدة، وهو ما جعل ياسين يعود إلى القول:"إن المستقبل هو الخاسر الأكبر في هذه العملية، فمنذ زمن لم يُنتخب مكتب ذكوري كهذا". هذا الأمر تراه الكاتبة وفاء مليح عادياً ومنطقياً، بالنظر إلى قلة النساء أصلاً ضمن تشكيلة الأعضاء، لتقترح"كوتا"للنساء قد تُحقّق بعض التوازن. لكن عقار يعلّق قائلاً:"إن النساء قد رفضن"الكوتا"خلال مؤتمر سابق. وبين أن يكون اتحاد كتاب المغرب بيتاً للجميع، كما يطمح البعض، أو أن يكون مجرد جمعية لا تختلف عن الجمعيات الكثيرة داخل المغرب، بل أقلّ منها أحياناً، حين يضعف إشعاعه، أو ينقطع التواصل بين الكتاب ومكتبهم في الرباط، تتماوج صورة اتحاد كتاب المغرب فتظهر وتختفي. وعلى رغم الغياب الملحوظ للكثير من أعضائه وقت المؤتمر، إلا أن الحضور كان مقبولاً، وهو ما يعكس ارتباط الكاتب المغربي بالاتحاد، لكن معظم الكتاب يتفقون على أن هذا الارتباط لن يدوم طويلاً، إذا لم ينجح المكتب الجديد في بناء استراتيجية فعّالة للنهوض بوضع الكاتب المغربي وتحقيق بعض طموحاته، شأن الكثير من اتحادات الكتاب التي وَضعت على أجندتها ملف تفرّغ الكتاب وتأمينهم الصحي. وجه آخر للمعادلة لا بد من أن يلاحظه من شارك في المؤتمر: بين الصورة التي يعبّر بها الكتّاب، وهم يجدّدون الثقة في المكتب ذاته، والصورة التي يتحدثون بها منتقدين إطارهم في الجلسات الخاصة، تتّضح صيغة الكاتب المغربي المتناقض."ألم نصوّت جميعاً على هذا المكتب؟ ألم نعانق رئيسه مهنئين؟ فلماذا نسير إلى جلستنا الخاصة لننتقد الاتحاد؟"يسأل كاتب صديقه ضاحكاً. نشر في العدد: 16683 ت.م: 07-12-2008 ص: 25 ط: الرياض