طوت وفاة بطريرك موسكو وعموم روسيا أليكسي الثاني أمس، حقبة مهمة في تاريخ الكنسية الأرثوذكسية الروسية، أدى خلالها اليكسي دوراً مهماً في استعادة نفوذ الكنيسة بعد تهميشها سبعة عقود خلال العهد السوفياتي، كما أسهم في رسم ملامح كل التطورات السياسية المهمة في روسيا منذ مطلع التسعينات. وأعلن المكتب الصحافي في بطريركية موسكو أمس، رحيل أليكسي الثاني وهو الرئيس الخامس عشر للكنسية الأرثوذكسية الروسية، منذ أن شهدت إصلاحات جذرية في العام 1589. وتركت ولادة البطريرك الراحل في العام 1929 لعائلة متدينة في مدينة تالين عاصمة أستونيا، آثاراً على نشأته ومستقبله. فهو بدأ خدمته الكنسية في مدينته وتدرج في المناصب حتى انتخب لرئاسة الكنيسة الأرثوذكسية في العام 1990، عندما كان الاتحاد السوفياتي يلفظ أنفاسه الأخيرة، ما منحه فرصة كبرى لأداء دور محوري في رسم ملامح روسيا الجديدة، التي تطغى فيها الروح القومية - الأرثوذكسية. وأدت جهود اليكسي الثاني الذي تلقى دعماً غير محدود من الأوساط السياسية التي رأت في تزايد نشاط الكنيسة إضعافاً لفرص الشيوعيين في العودة للحكم، إلى استعادة مكانة الكنيسة في المجتمع بعد عقود من التغييب، إضافة إلى إصراره على استعادة كل ممتلكات الكنيسة التي صودرت في العهد الشيوعي. وحول اليكسي البطريركية الروسية مركزاً مهماً من مراكز القرار في روسيا، استعان بها الكرملين في كثير من المنعطفات والمفاصل السياسية المهمة، وخصوصاً عندما كادت تنشب حرب أهلية في البلاد في العام 1993، بعدما قصف الجيش مبنى البرلمان المعارض في حينه للرئيس السابق بوريس يلتسن. كما ادى أليكسي الثاني دوراً مهماً في ملفات خارجية، اذ توسط في منتصف التسعينات بين أذربيجان وأرمينيا، وسعى إلى إيجاد تسوية للوضع المتفجر آنذاك في البلقان، كما عارض حرب العراق بشدة وانتقد الولاياتالمتحدة وبريطانيا بعبارات قاسية. واعتبر اليكسي قيام الدولة الفلسطينية شرطاً لتحقيق السلام في الأراضي المقدسة. ويسجل الروسي أليكسي الثاني نجاحه في توحيد الكنسية الأرثوذكسية بعد انشقاق دام عقوداً، كانت خلالها الكنيسة الأرثوذكسية خارج البلاد ترفض الاعتراف بسلطة موسكو عليها. ووقع الطرفان اتفاقاً في هذا الشأن في العام الماضي. ويعتبر كثيرون أن الكنسية الروسية شهدت في عهده انطلاقة جديدة، خصوصاً في السنوات الأخيرة التي تم فيها إنشاء العديد من الأبرشيات الجديدة، وتشييد وإعادة بناء آلاف الكنائس والأديرة، الى جانب افتتاح أكثر من مئة من المعاهد الدينية العالية والمتوسطة. وواجه اليكسي محاولات الكنيسة الكاثوليكية للتغلغل في روسيا، كما رفض ان يقوم البابا الراحل يوحنا بولس الثاني بزيارة الى موسكو. ولم يخل تاريخ الراحل من شبهات أثيرت حوله، بينها تقارير تحدثت عن ارتباطه منذ عقود بجهاز الاستخبارات السوفياتي كي جي بي، كما لفت ايضاً ورود اسمه في لوائح المستفيدين من الهبات النفطية التي وزعها الرئيس العراقي السابق صدام حسين. في الفاتيكان، قال سكرتير المجلس البابوي لوحدة المسيحيين المكلف العلاقات مع الأرثوذكس المونسنيور براين فاريل:"وقع على عاتق البطريرك اليكسي الثاني قيادة الكنيسة في مرحلة من التغيرات الكبرى, وعرف كيف يقوم بذلك مع حس كبير بالمسؤولية وحب للتقاليد الروسية". نشر في العدد: 16682 ت.م: 06-12-2008 ص: 18 ط: الرياض