توقع أحد المعلقين الفرنسيين، نيكولا بافيريز، أن"تبقى أبرز آثار صدمة 2007 ماثلة في اقتصاد 2008، وأن تُفرض، تالياً، قيود ثقيلة على القروض المصرفية"، وتتعاظم احتمالات انهيار شركات كبيرة، وأن يصيب الركود الاقتصاد الأميركي، ويتراجع نمو الاقتصاد العالمي من 5.2 في المئة الى 3.5 في المئة. ولاحظ أن الأزمة الزاحفة من 2007 الى 2008 رجحت كفة بلدان الجنوب في ميزان الاقتصاد المعولم. فطلبت بلدان الشمال"مساعدة الدول النفطية وقوى الجنوب المالية العظمى". وآثار العولمة الإيجابية مثل انفتاح الأسواق وارتفاع مستوى معيشة شعوب الدول النامية، واقتصار الأزمة على القطاع المالي، وانتفاء الفقاعة الاقتصادية، عوامل تبعد شبح أزمة 1929. وأصاب البورصات العالمية في 21/1/2008 تراجع حاد سمّاه المتعاملون والصحافيون"الاثنين الأسود". فرأى ميشال أغلييتا، أحد خبراء الاقتصاد المالي الفرنسيين، أن الأزمة هي"أزمة تسليف، وقلبها ومصدرها هو إقدام المصارف على إصدارات هاذية... وأوكلت ادارة المخاطر الى وسطاء، فانتفت الرقابة، وتردى انضباط السوق، وضعف ضبط المخاطر الذاتي... وليس ثمة من يعلم اين تكمن المخاطر، واين مصادرها". ويرد أغلييتا تقارب الأزمات، وتعاظم حدتها، الى"دخول الرأسمالية تحت سيطرة القيمة السهمية، وسمة هذه توزيع العوائد والأجور توزيعاً مفرطاً في التفاوت لمصلحة نخبة ضيقة". ومع قفز سعر النفط في أثناء آذار مارس وتردي سعر صرف الدولار، لم يشكل إريك لوبوشيه "لوموند"الفرنسية في دخول العالم"مملكة الحيرة". وهو يعزوها الى ثلاثة منعطفات: انتقال مركز ثقل العالم من الغرب الى الشرق، والجوع الصيني الى الخامات والمواد الأولية وتعاظم أسعارها، والأزمة المالية المتسعة والآيلة الى نضوب التسليف الرخيص. وابتدعت هيئات التسليف صيغة الرهن العقاري العالي المخاطر لتقنع الأسر الخاوية الوفاض من الضمانات بأن في وسعها التملك هي كذلك. وبلغت الأرباح في الأعوام 2000 - 2006 نحو 80 في المئة. وأدى تعاظم حجم البلدان النامية وبلوغه 50 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، الى قفز أسعار الطاقة والمعادن والمنتجات الغذائية الى مستويات غير مسبوقة. وانفكاك البلدان النامية من آثار تردي الاقتصاد الأميركي من أكثر الأمور غموضاً، والأزمة المالية، وآخر فصولها انهيار العملاق الأميركي كارلايل، تتفاقم. ولا تقتصر المسؤولية على أسعار الفائدة الضئيلة، فثمة"السلع"المالية الهشة، والمشتقات المتشعبة. وهذه رضيت الأنظمة الإدارية والرقابية بإخراجها من بيانات المصارف العامة وحساباتها،"فكان ذلك في مثابة حض على ارتكاب الجريمة"."وقد يولد اقتصاد جديد من المنعطفات هذه متعدد القطب، وبحثاً وتطويراً مدارهما على الطاقة والزراعة، وسوقاً مالية متعقلة ورزينة". وحين انهيار مصرفين استثماريين كبيرين هما"ميريل لينش"، و"ليمان براذرز"غداة 7 أيام على وضع الحكومة الأميركية يدها على عملاقي التمويل السكاني،"فاني ماي"و"فريدي ماك"، نقل نيل اروين وديفيد تشو، في"واشنطن بوست"، عن أوساط وول ستريت والعواصم المالية العالمية، لوم نفسها على إغفالها تعاظم حجم القطاع المالي بإزاء الاقتصاد الحقيقي. وتناقش الأوساط هذه دور الحكومة، والجهات التي تتولى إملاء قواعد العمل، على خلاف إطلاق يد الشركات المالية، من غير رقابة"لجنة الأوراق المالية والبورصة"أس إي سي، في عمليات ورقية غامضة. وفي"وول ستريت جورنال"اقترح خمسة من كبار أساتذة الاقتصاد تعديل خطة الإنقاذ المالية التي اقترحها هنري بولسون، وزير الخزانة الأميركي، على نحو لا يحمّل دافعي الضرائب بعض أثقالها. وانقسم المراقبون بين متوقعي"تسونامي"اقتصادي وبين من رأوا في البنية الاقتصادية العالمية الجديدة قيوداً على العاصفة. نشر في العدد: 16707 ت.م: 31-12-2008 ص: 28 ط: الرياض