خلفت أزمة 2007 المالية أثراً كبيراً في اقتصاد 2008، فهذه الأزمة متعددة الأوجه، ونجم عنها انعطاف في الدورة المالية العالمية وانهيار سوق العقارات، وفقء فقاعة السيولة. وأفضى انفجار فقاعة السيولة، بدوره، الى تقنين القروض المصرفية، وزيادة قيمة تقدير المخاطر. وامتدت الأزمة المالية الى الاقتصاد الحقيقي جراء انخفاض معدلات الاستهلاك في الولاياتالمتحدة واليابان وأوروبا والبلدان الناشئة. ولا شك في أن الأزمة بنيوية. فهي أنهت العمل بنموذج نمو قائم على ضمان الاستهلاك الأميركي الموجودات المالية، ووفرة القروض وانخفاض فوائدها وتدني أسعار المواد الأولية وقيمة التأمين على الأعمال. ومعالم النموذج الاقتصادي الجديد بدأت تظهر مع ارتفاع الأسعار والرواتب في العالم بدءاً بالصين ومروراً بالولاياتالمتحدة، ووصولاً الى ألمانيا. ومن المتوقع أن تبقى أبرز آثار صدمة 2007 ماثلة في اقتصاد 2008، وأن تُفرض، تالياً، قيود كبيرة على القروض المصرفية، وترتفع قيمة المخاطر، وأن تتدنى أسعار العقارات بالولاياتالمتحدة وبريطانيا وإسبانيا، وتتعاظم احتمالات إفلاس شركات كبيرة، ويتراجع نمو الاقتصاد العالمي من 5.2 في المئة الى 3.5 في المئة، وأن يصاب الاقتصاد الأميركي بركود، وتتردى وتيرة نمو البلدان الناشئة. والحق أن الأزمة رجحت كفة بلدان الجنوب في الاقتصاد المعولم. وفي أزمة 1997 المالية الآسيوية طمأنت الولاياتالمتحدة الأسواق المالية في البلدان الناشئة، ورفعت القيود عن التجارة فانخفضت قيمة العملة وشُرّعت أبواب شركات بلدان حوض المحيط الهادئ الآسيوية أمام رؤوس أموال بلدان الشمال. وعلى خلاف هذه الأزمة، حملت أزمة النظام المالي الأميركي في 2007، بلدان الشمال على قبول مساعدة الدول النفطية، وقوى الجنوب المالية العظمى. فالنفوذ المالي انتقل الى بلدان الجنوب في مجالي العمل والفوائض المالية، وهذه تبلغ نحو نصف الناتج القومي العالمي، وفي الملكية ورؤوس الأموال. وفي مستطاع هذه البلدان تسهيل تداول احتياطات النقد، وهي تملك 75 في المئة من احتياطات النقد العالمية. ومن المتوقع أن يتنامى نفوذ أنظمة رأسمالية الدولة. فالشمال يخسر احتكاره عملية الإنتاج والابتكار والتجديد، ويفقد السيطرة على الأصول الإستراتيجية والقدرة على ضبط الرأسمالية المعولمة. ولا شك في أن 2008 يختلف عن 1929. فثلاثة عوامل تبعد شبح الانهيار العالمي والانكماش المالي. وهي: آثار العولمة الإيجابية مثل انفتاح الأسواق، وارتفاع مستوى معيشة شعوب الدول النامية وتخلصها من الفقر المدقع، واقتصار الأزمة على القطاع المالي وضعف تأثيرها في بنية المجموعات الاقتصادية المالية، وعدم نشوء فقاعة اقتصادية على ما حصل في 1920 أو 1990. ولا يزال تجنب انهيار القروض، والانكماش الاقتصادي، متاحاً من طريق تعزيز استجابة النمو في بلدان الجنوب الطلبَ الداخلي، والاستمرار في تدوير رساميل الفائض التجاري، ومن طريق تنسيق عمل المصارف المركزية وتقديم هذه المصارف عملية ضبط السيولة المصرفية وخفض الفوائد، في البلدان المتطورة. وعلى المصرف المركزي الأوروبي العدول عن سياسته الفصامية التي تجمع بين توفير السيولة وفرض القيود. فالمصرف يرفض خفض مستويات الفائدة، ويدعم تسعير اليورو بغير قيمته الفعلية. عن نيكولا بافاريز خبير اقتصادي ومؤرخ،"لوموند"الفرنسية، 9/1/2008