لن يعود العالم الى سابق عهده قبل 15 أيلول سبتمبر المنصرم، يوم أوشكت الاسواق المالية على الانهيار. وحمل تفاقم الازمة المالية المسؤولين الاميركيين على معالجة جذورها، عوض الاكتفاء بمواجهة عوارضها. وفي روسيا، أغلقت بورصة موسكو يومين. وتدخلت الصين في الأسواق لحماية مصالح مصارفها، وطمأنت البلدان النفطية الاسواق الى استقرار اسعار النفط. وأعملت كل واحدة من القوى الكبرى سياسات بنيوية محلية لمواجهة الأزمة في أسواقها. وهذه السياسات المحلية قد تتهدد دينامية اندماج الاقتصادات وتناغمها. وعلى رغم أن الأزمة اندلعت في الولاياتالمتحدة، فالاقتصاد الأوروبي هو الذي أصيب بالتباطؤ، فجفت مصادر التمويل إثر انفجار فقاعة الديون العقارية الاميركية. وتراجعت معدلات الاستهلاك بالمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا. وانخفضت نسبة الصادرات الالمانية، جراء تباطؤ عجلة النمو العالمي، من 5،2 في المئة الى 3 في المئة. وتعهد الافراط في تقدير سعر صرف اليورو 40 في المئة فوق قيمته الفعلية، تعهد استقرار الميزان التجاري الاميركي. فالسياسة المالية الاوروبية تجاري الانزلاق وراء الازمة، وتعبّد الطريق أمام تقهقر قيمة الأسهم، والمداخيل، وتقلص العمالة. والحق أن العلاج يقتضي التزام خطة دولية تنسق اجراءات معالجة الأزمة، وتوحدها، والاقلاع عن انتهاج خطط وطنية مستقلة، تؤدي الى اجهاض دينامية دمج الاقتصادات. والسبيل الى مثل هذه الخطة حوار متصل بين الاحتياط الفيديرالي الاميركي ونظيره المصرف المركزي الاوروبي. ويفترض دعم النظام المالي الاوروبي خفض نسبة الفوائد، وتعليق العمل بمبدأ"قيمة السوق العادلة"، وحظر المساعدات الحكومية التشجيعية والتفضيلية. ويجب نقل صلاحية مراقبة المصارف وشركات التأمين الى المصرف المركزي الاوروبي. وعلى الدول اتخاذ اجراءات محلية تلجم آثار الازمات الدورية. فترفع بعض الدول التي تملك فائضاً عتبة الإنفاق، وتحظر غيرها زيادة الضرائب. وخلاف هذا ينجم عنه تفاقم التباطؤ. والحق أن مخاطر تفشي الانكماش المالي كبيرة، وغير مسبوقة منذ أزمة الثلاثينات. ولكن سبل الخروج من الأزمة واعدة. ومن المتوقع أن يتعاظم تباطؤ عجلة الاقتصاد، في 2009، على وقع انتقال عدوى الأزمة الى البلدان النامية، وتقلص الارباح، وزيادة البطالة. وقد تنخفض معدلات التضخم المالي، وتتراجع أسعار النفط والمواد الأولية، وتستقر كفة ميزان التجارة الاميركية، وتقوم قيمة الدولار على معايير جديدة. ومن المتوقع أن ينبعث النمو الاقتصادي، في 2010، بعد تراجع خطر تفشي الأزمة في النظام المالي الشامل. وعلى الدول الاوروبية أن تحذو حذو الولاياتالمتحدة، وأن تعتبر مثلها بأزمة أعوام 1930، والمبادرة، تالياً، الى التحرر من قيد قواعد السوق لإنقاذ اقتصاد السوق. عن نيكولا بافيريز ، "لوبوان" الفرنسية، 25/9/2008