شهد لبنان سنة فنية زاهية مليئة بالاحتفالات والمهرجانات والعروض الفنية، بعدما عاد الاستقرار الأمني والسياسي إليه. وتميزت تلك العودة القوية بالأسماء التي حضرت في مهرجانات بعلبك وبيت الدين وجبيل كالفنانة الجزائرية وردة والمغربية كريمة الصقلي والفنان اللبناني من أصل بريطاني ميكا ووزير الثقافة البرازيلي الموسيقي جيلبرتو جيل، وبحضور كثيف للحفلات ودقة التنظيم. بيد أن النشاط الفني لم يقتصر على المهرجانات، اذ استضافت العديد من المسارح والصالات أعمالاً مسرحية وتشكيلية وموسيقية ونحتية وفوتوغرافية وعروض شارع وغيرها. كما سجلت معارض التجهيز الفني حضوراً قوياً هذه السنة بعدما استضاف هنغار"أمم"في بيروت الكثير منها. وفي هذه الأيام، تكثر الإعلانات لحفلات رأس السنة بمشاركة أبرز النجوم اللبنانيين والعرب، غير أن هذه الحفلات تقتصر على تقديم الوصلات الغنائية وبعض العروض الضاحكة ولوحات من الرقص الشرقي. ويبقى الأبرز في لبنان هذه السنة، توجه فنانات لبنانيات يزيد عددهن عن 12 مغنية إلى الغناء باللهجة الخليجية من دون أن يكون لدى بعضهن خبرة سابقة في هذا اللون الغنائي وأصوله على ما يشير اليه أكثر من ناقد. منذ سنوات، غنّت أصالة نصري وأنغام وذكرى باللهجة الخليجية ونجحن في ذلك لاتقانهن اللغة وأصولها ومخارج حروفها، وتعاونهن مع ملحنين وشعراء بارزين. تعتبر ديانا حداد من أولى اللبنانيات اللواتي غنين"الخليجية"، ونجحت في هذا اللون الذي يناسب صوتها وطبقاته، وقدّمت الكثير من الأغاني التي لاقت نجاحاً جماهيرياً لدى الخليجيين. قد يكون لهذه الظاهرة إيجابياتها وسلبياتها، وتظهر الإيجابيات في أن الفنان اللبناني قادر على تقديم أغان بلهجات عدة إضافة الى اللغة الأجنبية، بينما تبرز السلبيات في أن بعض الأغاني الخليجية بالطبع نتكلم هنا عن الأغاني التي قدمتها مغنيات لبنانيات التي قدمت هذه السنة لم ترتق الى المستوى المطلوب وكان الهدف منها فقط الترويج فقط واقتحام السوق الخليجي الذي يعج بالمنتجين. وما يثير الدهشة أن بعض الأغاني كتبها ولحنها لبنانيون، ودارت غالبية مواضيعها عن الحب والهجر، وبإيقاعات لا تمت الى الخليجية بصلة. أليس من الأفضل الاستعانة بملحن وشاعر خليجيين ليقدما على الأقل قاعدة أساسية للأغنية، ثم هل الأغاني الخليجية محصورة بالحب والغرام؟ يعتبر محيط الأغنية الخليجية من الأغنى لما يتمتع به من بادية وأصالة وكرم أخلاق وشجاعة وحب راقٍ. وما زاد الطين بلة، الكليبات التي رافقت تلك الأغاني، وكان معظمها يعتمد الإثارة لتحريك مشاعر الجمهور وأحاسيسه. في المقابل، نجحت بعض التجارب في أغنيات ليارا وميريام فارس ونوال الزغبي، وحقّقت رواجاً لدى الجمهور الخليجي، خصوصاً يارا التي حققت أغنيتها"صدفة"انتشاراً واسعاًً في الخليج لإتقانها اللغة وتقديمها عملاً متكاملاً بدءاً من الأداء مروراً بالكلمات واللحن وانتهاء بالتوزيع الموسيقي. يرى الملحن الكويتي عبدالله القعود أن هذه الظاهرة صحية ومفيدة، وتدل أن الأغنية الخليجية باتت مطلوبة وارتقت الى مستوى المنافسة، ويسأل:"ما المانع من أن تغني اللبنانيات بالخليجية شرط أن يتقن أصولها ومبادئها؟". ولنجاح الأغنية، يرى القعود وجوب أن يكون هناك فريق عمل لتحقيق ذلك،"إذ أن الأغنية لا تعتمد فقط الصوت أو أداء المغنية مثلاً، بل تتطلب لحناً جيداً وكلمات سهلة وبسيطة مع الحفاظ على رصانتها، وتوزيعا موسيقيا قادرا على شد المتلقي". ويشير القعود الى أن بعض التجارب اللبنانية كانت ناجحة،"وهي محاولات جيدة تؤسس تجربة جديدة ومتينة، ولاقت استحسان الجمهور العربي قبل اللبناني". يذكر أن القعود لحن لميريام فارس أغنية"مكانه وين"ولنوال الزغبي"عادي"وليارا"سلمولي". ويقول:"كما غنى نبيل شعيل الأغنية اللبنانية وعبدالله رويشد الأغنية المصرية، نفرح كخليجيين ونفخر بفننا وبأن الأغنية الخليجية تلاقي انتشاراً ونجاحاً لدى العرب". ويرى الملحن الكويتي أنه"لا يجوز الحكم على بعض الأعمال التي لم ترتق الى المستوى المطلوب من المرة الأولى، ويجب إعطاء فرصة ثانية، خصوصاً أن كل تجربة ثمة ما يميزها عن غيرها". ومن وجهة نظر القعود، فإن"أي فنانة تختار الكلمة الجيدة، ولحناً يعبر الى الخليجية في شكل كبير مع الابتعاد عن التعقيد الخليجي في التلحين، قد تلاقي نجاحا"ً. بيد أنه يرفض أن يحمل مسؤولية العمل للفنانة فقط، إذ"قد يكون هناك خلل ما بالكلمات أو اللحن او التوزيع الموسيقي". ويوضح القعود أن بعض الأعمال التي قدمت لا تعبّر عن الواقع الخليجي. والفورة الأنثوية على الغناء بالخليجية، لم تواجهها فورة ذكورية، باستثناء عملين لرامي عياش وراغب علامة. ويفيد القعود بأن لا علاقة للصوت أنثوياً كان أو ذكورياً بالغناء الخليجي،"فالأهم هو الرغبة في تقديم عمل مختلف". نشر في العدد: 16704 ت.م: 28-12-2008 ص: 35 ط: الرياض عنوان: القعود : غناء اللبنانيات بالخليجي "صحي"