لا شيء مما يحدث في اليونان غريب عنا أو بعيد، فمنذ بيريكليس، والحجر السياسي الذي يرمى في مياه ميناء البيريه الاثيني قد يخلف تسونامي بأوروبا الديموقراطية. وعليه، فاضطرابات الأسابيع الأخيرة ارتدت معنى خاصاً. وفي فرنسا، حين تندلع النار في الضواحي، يقال ان النار هذه من اختصاص البوليس في الأحياء المتعسرة. وأما إذا غلت مياه القدر في"ضواحي المدن اليونانية"فهذا، منذ 2500 عام، نذير خطر داهم يتهدد القارة الأوروبية. وإذا نحينا القياس التاريخي هذا، ودققنا النظر في حوادث اليوم، لبدا لنا أن عطر ربيع شعوبٍ على شاكلة ربيع 1848 الأوروبي يطفو غداة أعمال العنف التي اجتاحت أثينا. وهو أشبه بهاجس تمرد يعم شبيبة أوروبا، ويحملها على القيام على الأزمة المالية، والنزعات المحافظة، وغطاء النظام والأمن الثقيلين، والبورجوازيات المتخمة التي جرّت البلدان الغربية الى شفير الهاوية، ولا تعد الأجيال الطالعة إلا بمستقبل غائم هو أقرب الى القفز في الفراغ. والشبيبة، رداً على هذا، توشك أن تمتطي صهوة حصان القرن الواحد والعشرين الحرون، وتمسك منذ اليوم بناصيته، والحصان وفارسه يخترقان دخان القنابل المسيلة للدموع. ويخيم عليهما اليأس، على خلاف الأمل الذي خيم على حركة 1968. ويحدو الترحيب بالأجانب حركة الطلاب اليونانيين على قدر ما حدت القومية، حركة 1848. وتحدوها الجهالة على قدر ما حدت الفلسفة ثورة 1789 الفرنسية الكبرى. والحق أن العدمية الشللية تؤدي دور فتيل القنابل اليدوية الحارقة كوكتيل مولوتوف في المسرحية الثورية هذه. ولكن ينبغي التنبه الى أن الزجاجات التي تصنع منها القنابل اليدوية مليئة بقلق وخوف شديدي الاشتعال. وإذا أرجأت اليونان الى أجل غير مسمى موعد الثورة العالمية، على الأرجح، فعلى المسؤولين الأوروبيين ألا يغفلوا عن النذير اليوناني. وإحراق الطلاب شجرة الميلاد التي نصبتها البلدية وزينتها ينضح بالرمز: فلا هدية ترجى في مجتمع يبخل على أولاده وشبابه بالأمل! وپ"جيل ال700 يورو"، جيل حائزي الشهادات العليا لقاء أجور بخسة، يخالجه شعور بأنه يهدر عمره في سبيل كسب معاشه، ولن يرضى التضحية به من غير انتفاضات متتالية. وتقتصر الحمى الفرنسية، الى اليوم، على تلامذة ثانويين متذمرين ومدرسين متحفظين. ويشكون جميعاً إضافة ساعات تدريس مادة الاقتصاد الى برنامج ساعات السنة الثانوية الأولى! ويتذمر التلامذة، ويرفعون عقيرتهم بالاحتجاج مرة في ثلاث سنوات، حين يتجدد دخول موجة من الطلاب المرحلة الجديدة، ويتبارون في جز شعر رأس وزير، وحمله على الاستقالة أو على العودة عن إجرائه. والمدرسون يبكون ضياع مجد طوته فرائض العالم المعاصر القاسية. والرجوع عن الإجراء سكّن بعضهم من غير أن يطمئن بعضاً آخر. ولا شك في أن القِدر الثورية راحت تغلي تحت سماء بعيدة، وتخفف المسؤولون من خشيتهم. ولكن هشاشة أحوال الشبيبة مقيمة ولم تبرح. والبارود الاجتماعي يتراكم. ولن تكون فرنسا بمنأى من الغضب الآتي. ولا يجدي إغفال الدرس اليوناني اليوم، ولا الاقتصار على الاعتبار بدرس أول البارحة. فهذا الدرس علمنا الديموقراطية، من وجه، والابتزاز المتعالي، من وجه آخر. عن كريستوف باربييه،"لكسبريس"الفرنسية، 18-25/12/2008 نشر في العدد: 16700 ت.م: 24-12-2008 ص: 24 ط: الرياض