قد تبيت أوائل 2009، وحوادثها، مفاجأت تتناول العلاقات الإيرانية - الأميركية. فأوباما يتولى سلطاته في أواخر كانون الثاني يناير. وتحتفل ايران بالذكرى الثلاثين للثورة الاسلامية، مطلع شباط فبراير. وتليها انتخابات في اسرائيل. وفي حزيران يونيو ينتخب الايرانيون رئيس جمهورية جديداً. وفي شأن المضمون السياسي، لا شك في أن أوباما أعلن عزمه على المناقشة مع الأطراف كلهم، ولكنه قيّد المناقشة بشروط. فهو أشد حزماً من الأوروبيين في مسألة تخصيب اليورانيوم على الأراضي الايرانية، بينما يرى الأوروبيون أن التخصيب غير مقبول طالما تبيت ايران أنشطة عسكرية. والى هذا، تجهر هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، مواقف صارمة. وعلى هذا، فالولايات المتحدة متمسّكة بالسياسة الحازمة المعروفة. ولكن إدارة أوباما، من وجه آخر، قد تقدم على ما كانت إدارة بوش نوت القيام به، أي إنشاء مكتب رعاية مصالح بطهران. وهذا بادرة تنم بحسن نية أميركية. وقد تقترح الإدارة الجديدة توسيع الحوار مع ايران في موضوع العراق ليشمل موضوعات اقليمية أخرى. والخطى الصغيرة هذه ليست ثورة. وعلى خلاف الأميركيين يرغب الايرانيون في التفاوض على"صفقة كبيرة"تتناول العراق ثم أفغانستان، على وجه الخصوص. وسابقة المفاوضة على"صفقة كبيرة"لم تثمر شيئاً مع كوريا الشمالية. وهي أثمرت مع ليبيا لأن معمر القذافي قال:"لا بأس، سنغيّر مسلكنا". فإذا قررت ايران انتهاج سياسة مختلفة، ربما أدى قرارها الى"صفقة كبيرة". وشرط المصالحة الايرانية مع الغرب هو التخلي عن النووي العسكري. وهذا ما سبقت محاولته. فتفاوض الأميركيون والايرانيون بطهران في ولاية بيل كلينتون، وقطع مرشد الثورة، علي خامني، التفاوض. وأنا لست على يقين من أن في وسع النظام الايراني البقاء والدوام بعد مصالحة مع الغرب. فمعارضة الغرب جزء من تركيب حمض النظام النووي. ويبعث عُظام المفاوضين الايرانيين القلق. فهم مفاوضون متمرّسون وماهرون، ولكن الغربيين مستغلون عليهم، والولايات المتحدة فوق الغربيين الآخرين. ولست أشك في أن ايران بلد كبير وصاحب حضارة عظيمة، على ما يقال. ولكن بين البلد والنظام فرقاً كبيراً. فإيران حضارة قديمة، وشباب ايران أفضل تعليماً وثقافة من شباب العالم العربي على العموم. وأما النظام فلا تشبه سياسته سياسة بلد كبير ومتحضر. وهو نظام مركّب ومعقّد، ولا تقتصر قيادته على رأس واحد. فالمفاوضة، والحال هذه، عسيرة. ومن يتولى التحكيم في الخلافات، أي علي خامنئي، لا يتمتع بدالة آية الله خميني، مؤسس الجمهورية الاسلامية ولا بقوته على الترجيح. وغير دقيق ولا صحيح القول إن البرنامج النووي العسكري تُرك في تشرين الأول أوكتوبر 2003، وتخلى الحكم عنه. فجل ما في الأمر أن بعض أنشطة البرنامج علقت. ولا ريب في صحة القول إن ايران ليست في حاجة الى القنبلة النووية. وقياساً على ما أنفقه الايرانيون على البرنامج هذا، لا يبدو أنهم يشاطرون هذا الرأي. وفوق هذا كله، ليست العقوبات الدولية في حق ايران بالغة الأثر. وإنما لا ينبغي الخلوص من هذا الى أنه ينبغي رفعها أو الغاؤها. ولعل تضافر ضعف كفاءة محمود أحمدي نجاد الاقتصادية مع عقوبات مشددة، وتبدد عوائد الانعام النفطي، لعله يثمر أحوالاً تكره النظام على التغير. وافتراض إخفاق الضربة العسكرية في القضاء على البرنامج النووي بذريعة أن البرنامج برنامجان منفصلان: واحد مدني والآخر عسكري، الافتراض هذا لا ينهض على وقائع ثابتة. فإذا كان ثمة برنامجان، فهما متصلان، وبينهما خيوط كثيرة. ولا تتيح طاقات ايران الصناعية والعلمية ومواردها في الحقلين، الاضطلاع بأعباء برنامجين. وقد يكون الباعث على الضربة العسكرية اكتشاف أنشطة خفية تدل على أن ما أنجز من البرنامج يفوق المتوقع والمعروف، على شاكلة مجمع تخصيب آخر. وإذا قرر الأميركيون قصف ايران فيتوقع أن يعمدوا الى خلخلة أركان النظام، وضرب منشآت الحرس الثوري ومرافقه، وحملة القصف يتوقع أن تطول أياماً، وأن تكون هائلة. ولا يسع أحداً تمني هذه الحملة. ولكن نتائجها قد لا تكون شراً من النتائج المترتبة على التسلّح النووي الايراني. وبلغت ايران، منذ اليوم، مستوى خطيراً. فهي أنتجت نحو 16 - 17 كلغ من اليورانيوم المخصب. وهو المقدار الأدنى الضروري المستعمل في صناعة سلاح نووي. وعليه، فالأشهر الستة المقبلة حاسمة. عن برونو تيرتريه مدير أبحاث في مؤسسة البحث الاستراتيجي،"لوفيغارو"الفرنسية، 10/12/2008 نشر في العدد: 16700 ت.م: 24-12-2008 ص: 24 ط: الرياض