نيكولا ساركوزي قادم الى لبنان في مطلع السنة المقبلة ليهنئ القوات الفرنسية العاملة مع القوة الدولية في الجنوب بالسّنة الجديدة، وليتأكد من الرئيس ميشال سليمان أن لبنان يتعافى وأن مسعى فرنسا في انفتاحها على سورية يسجل نقاطاً على الأرض باتجاه السيادة والاستقلال. فباريس حريصة على أن تكون خريطة الطريق التي رسمها ساركوزي مع سورية نحو الاعتراف بسيادة واستقلال لبنان قيد التنفيذ. وردد ساركوزي مراراً أمام كل المشككين بمسعاه أنه إذا فشل ولم تلتزم سورية بوعودها له سيستخلص النتائج ويكيّف سياسته معها. والأمل كبير في أن ينجح الرئيس الفرنسي من اجل لبنان، ولكن الشكوك مشروعة نظراً لتاريخ العلاقة بين البلدين، خصوصاً بعد مشهد استقبال سورية لعدوها السابق العماد ميشال عون وجعله ورقة اضافية في المسعى السوري لاستعادة الهيمنة السياسية على مسيحيي لبنان اضافة الى حلفها مع"حزب الله". لا شك في أن التشكيك في مسعى الرئيس ساركوزي مشروع ولكن لا يمكن أيضاً إلا قبول هذه المحاولة والاشادة بها لأنه يريد التأكد بنفسه إذا كان على حق أو خطأ. والأمل في أن يكون ساركوزي على حق والآخرون على خطأ وذلك من أجل لبنان! هذا ما يتمناه كل لبناني يريد استقلال وطنه وانتهاء عصر القرار الضعيف فيه. فلماذا لا يدخل لبنان على غرار سورية في مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل؟ ما الذي يمنع أن يكون ساركوزي الجانب الوسيط لذلك كما يفعل الأتراك بين سورية واسرائيل، خصوصاً انه يرتبط بعلاقة صداقة قوية مع القيادات الاسرائيلية وخصوصاً مع بنيامين نتانياهو الذي يحتمل أن يكون رئيس الوزراء المقبل؟ هل سيبقى ذلك ممنوعاً على لبنان طالما أن سورية وحلفاءها اللبنانيين يمنعون ذلك؟ وهنا دور الرئيس الفرنسي مهم، فبإمكانه أن يكون رائداً في هذا المسعى الذي لا يعتقد أحد أنه معقول لكثرة ما تردد من أن لبنان ضعيف ورئيسه لا يتمكن من تجاوز حلفاء سورية لخوض مثل هذه المفاوضات! لقد حقق اتفاق الدوحة انجازاً كبيراً من دون شك. فالسيّاح عادوا الى لبنان والفنادق مليئة والمطاعم تعج بالزبائن وهذا خير للبنان. اضافة الى أنه على رغم الدّين العام والوضع الاقتصادي والسياسي السيئ فقد بقي الوضع المالي في لبنان صامداً إزاء الكارثة المالية العالمية بفضل السياسة الحكيمة لحاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة. فمصارف لبنان استخدمت فقط 70 في المئة من ودائعها بطلب من البنك المركزي الذي أجبر المصارف على وضع 15 في المئة منها كاحتياطي اجباري لديه و15 في المئة على دفاترها. ومنع سلامة المصارف منذ خمس سنوات من أن تكون لها اصول فاسدة. ويعاني لبنان من مشكلة كبيرة هي الدّين العام وعدم القيام بالاصلاحات والهدر في قطاعي الكهرباء والمياه، أما الوضع المالي فهو متين والدليل على ذلك أن لبنان شهد تحويلات من الدولار إلى الليرة اللبنانية مما يشير الى الثقة بوضعه المالي. لقد استطاع سلامة ان يستفيد من خبرته من المؤسسة التي جاء منها كان في ميريل لينش واختبر مشاكلها وهو غير مؤمن بالمضاربة وبالرافعة المالية ومدرك للأزمات والهزات التي يشهدها لبنان باستمرار. وهذا جعله يصرّ على ضمانة السيولة لتريح المصارف في جميع الأزمات. ولهذا نجح في التصدي لأزمة مالية عالمية كان بإمكانها أن تزيد الطين بلة في لبنان لولا المهمة التي ينبغي الاشادة بها والاعتراف بقدرة بعض اللبنانيين مثل سلامة على وضع استراتيجيات جيدة للبلد. سيتمكن ساركوزي، عندما يزور لبنان في 6 كانون الثاني يناير المقبل، ان يرى كيف نهض هذا البلد الصغير في ظل أحوال مالية عالمية كارثية، مع انه عاش سنوات في مستوى نمو صفر في المئة. ولكن هل سيتمكن من ادراك مدى هشاشة الوضع السياسي فيه قبل شهور قليلة على انتخابات تشريعية قد تعيد الهيمنة السورية إليه؟ إن رهان ساركوزي مشكور ولكن رهانه بإمكانه أن يتغير بعد الانتخابات، مثلما حدث مع انتصار"حماس"في الأراضي الفلسطينية! نشر في العدد: 16686 ت.م: 10-12-2008 ص: 15 ط: الرياض