أوباما وحده لن يغيّر العالم، وبالتأكيد لن يغيّر المنطقة العربية للأفضل ما لم يكن لنا نحن العرب دور نشط وفاعل يهدف الى إعادة صياغة العلاقات العربية - الأميركية برمتها. لقد كانت السنوات السبع الماضية سنوات عجافاً في هذه العلاقات، وألقت قسوتها بكثير من الضرر على منطقتنا العربية وعلى علاقاتنا بالولاياتالمتحدة بل وعلى ثقتنا بأنفسنا وبقدرتنا على التأثير في مجريات الأمور. ولكننا لسنا بالضعف الذي يتصوره البعض منا، حتى وان لم تجتمع كلمتنا دائماً. العرب قوة دولية رئيسية على الأقل بحكم كوننا طرفاً رئيسياً في معظم المشكلات العالمية: الوضع في العراق، الصراع العربي - الإسرائيلي وتداعياته بالنسبة الى سورية ولبنان، التنظيمات الجهادية الإسلامية والوضع في أفغانستان، والبرنامج النووي والدور الإيراني وأمن الخليج. كوننا جزءاً رئيسياً في هذه المشكلات يعني أيضاً أننا جزء من الحل، أو على الأقل أنه لا حل لأي من هذه المشكلات من دوننا. هذا في حد ذاته يعطينا القدرة على التفاوض على شكل الحل في كل هذه القضايا - ما لم نقرر بالطبع أن نقنع بالسلبية كأسلوب حياة، وهذا ليس خياراً عاقلاً. ليس خياراً أن نجلس وننتظر السياسة التي سيتبناها أوباما ثم نبلور رد فعلنا بناء عليها، بل على العكس: يجب أن نسبق أوباما وأن نطرح نحن تصوراتنا الخاصة للتعامل مع كل هذه المشكلات وأن ندفع الإدارة الأميركية لأن تتعامل مع طرحنا وتتفاعل معه. ليس مقبولاً أن ننتظر بلورة السياسة الأميركية وأن نقصر دورنا على قبولها أو رفضها، بل يجب أن يكون لنا دور في عملية صياغة هذه السياسة. فبين الرفض والقبول هناك دور أفضل وهو المشاركة في الصياغة. وليس هذا مستحيلاً إذا تحلينا بوضوح الرؤية وتسلحنا بمنهج عملي وطرحنا على الجانب الأميركي عرضاً للمشاركة وليس مجرد مطالب. وعرض المشاركة هذا يمكن أن يتضمن المحاور الخمسة الرئيسية لأزمات المنطقة: الوضع في العراق، عملية السلام العربية - الإسرائيلية، سورية ولبنان، المشكلات الإيرانية، أفغانستان والتعامل مع مشكلات"الإرهاب". فبالنسبة الى الوضع في العراق، تحتاج الإدارة الأميركية الجديدة لاستراتيجية تسمح لها بالخروج من حالة الاستنزاف العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها هناك وفي أسرع وقت ممكن، من دون أن يسفر خروجها عن انهيار الوضع الأمني هناك أو سقوط العراق في القبضة الإيرانية تماماً، وهي رغبة تلتقي مع المصلحة العربية. وعلى رغم ان الجانب الأميركي سيعمل على تحقيقها سواء ساعدته الدول العربية أم لا، فإن مثل هذه المساعدة يمكن أن تكون حاسمة، بخاصة لو امتدت الى المجال الأمني. وبالنسبة الى سورية، فإن هناك أصواتاً كثيرة في واشنطن تدعو لانفتاح أميركي - سوري، وهو بالقطع تطور مطلوب لدعم استقرار المنطقة المزعزع، ولكن الإدارة الجديدة ستجد من الصعب عليها أن تنفتح على سورية بالدرجة المطلوبة ما لم يكن هناك اتفاق سعودي - مصري لبناني على ذلك، ومن ثم فالمطلوب أولاً تسوية المشكلات العالقة بين هذه الأطراف بشكل يسمح بتنشيط العلاقات الأميركية - السورية دعماً لتوجهات الاستقرار وليس خصماً منه. بمعنى آخر، لا يجب أن نضع الإدارة الجديدة في وضع تختار فيه بين إغضاب القاهرةوالرياض وبيروت أو ترك سورية عرضة للضغوط التي تدفعها لتبني مواقف متشددة - بما في ذلك إزاء الوضع في لبنان، ولا يمكن لأحد غير الجانب العربي نفسه أن يحل هذه المعضلة. وترتبط بذلك - وبشكل وثيق - فرص تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي. فمهما كانت درجة استعداد أوباما للانخراط في محاولة تسوية هذا الصراع، فإنه لن يتمكن من تحقيق تقدم إذا استمر الانشقاق الفلسطيني الحالي في التدهور، أو إذا عادت"حماس"و"الجهاد"الى استخدام العنف، أو عدنا للتنافس بين المسارين السوري والفلسطيني، أو قامت بعض الأطراف العربية بشل المبادرة العربية ومنع استخدامها كإطار لدفع جهود التسوية إضافة الى العقبات التي ستضعها اسرائيل. ومن ثم فإن امكانية تعاون الدول العربية في ما بينها وأيضاً بينها وبين الولاياتالمتحدة ستكون حاسمة في حساب الإدارة الجديدة لإمكانية تحقيق تقدم في مجال التسوية العربية - الاسرائيلية. ورغم أن المشكلة النووية الإيرانية هي بالأساس بين إيران والغرب وإسرائيل، إلا أن تداعياتها الإقليمية بينة للعيان، سواء من حيث احتمال التوصل لصفقة تحصل بمقتضاها إيران، مقابل وقف العناصر المثيرة للجدل في برنامجها النووي، على نفوذ إقليمي يتعارض والمصالح العربية، أو من حيث احتمال توجيه ضربات عسكرية لها تكون عواقبها وخيمة على الجميع. وبالتالي فهناك مصلحة عربية أكيدة في التدخل والحيلولة دون وقوع أي من هذين السيناريوهين. وبقدر ما ستكون الدول العربية مستعدة لتحمل مسؤولية في هذا الصدد بقدر ما ستكون لها القدرة على التأثير في مجريات الأمور. القاعدة نفسها تنطبق على الوضع في أفغانستان و"الحرب على الإرهاب". فمن المؤكد أننا قد عانينا جميعاً من الطريقة الهمجية التي حاول بها بوش مواجهة العنف من قبل التنظيمات الجهادية، ولنا مصلحة في أن تعيد الولاياتالمتحدة صياغة سياستها في هذا المضمار، ولكن يجب أن يكون لدينا ما نقدمه من أجل أن تستمع إلينا الإدارة الجديدة. وقد بدأت السعودية بالفعل في التدخل في هذا الملف من خلال دعمها مشروع الحوار بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، ولكن يحتاج الأمر الى توسيع هذا الجهد بحيث يتحول الى تدخل عربي متعدد الأوجه يسهم في إعادة درجة من الاستقرار لأفغانستان وتخفيف الاحتقان العسكري هناك كمرحلة أولى باتجاه التعامل العاقل مع التنظيمات الجهادية. أن يكون هناك طرح عربي للمشاركة مع الولاياتالمتحدة لا يعني إطلاقاً أن نسلم للولايات المتحدة، بل على العكس: أن ندفع التعاون العربي - الأميركي بشكل عملي في اتجاه حماية المصلحة العربية من خلال النشاط والمبادرة والفعل بدلاً من الكمون أو المعارضة السلبية وسياسة الإفشال. المطلوب انتقالنا من خانة إفشال خطط الآخرين الى خانة المشاركة الفاعلة والقائمة في الوقت نفسه على مشاركتنا في صياغة هذه الخطط بشكل يحمي مصالحنا، ولنتذكّر أن التعاون يؤدي الى مزيد من التعاون، وخلق روابط تعاونية معقدة يمتن الشراكة أكبر ويقوي دورنا أكثر. * كاتب وأكاديمي مصري نشر في العدد: 16676 ت.م: 30-11-2008 ص: 16 ط: الرياض