سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
استعدادات عسكرية في الدولة العبرية لاحتمال الرد على خطر "حزب الله" . الدولة اللبنانية هدف أكيد لحرب إسرائيلية محتملة وخطط باراك تركز على "الجبهة الداخلية"
رفعت المناورة الأخيرة التي نفذها الجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل على مدار أربعة أيام، وهي الثانية من نوعها منذ انتهاء حرب لبنان، سقف التساؤلات حول صحة ما يروج له هذا الجيش بأن التدريبات دفاعية وتهدف الى استخلاص الدروس من حرب لبنان. فمن غير المهم إذا كانت المناورات تجرى بمشاركة الألوية والوحدات العسكرية واستخدام النيران الحية أو بمشاركة أذرع البر والبحر والجو ومن دون استخدام النيران الحية، ففي الحالين يبقى السؤال مطروحاً حول النيات والأهداف الحقيقية من هذه المناورات، بل ان الإصرار على هذا السؤال يزداد مع السياسة التي يتبعها وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك في هذا الجانب. ففي المناورة الأخيرة وللمرة الأولى، امتنع باراك عن الحديث الى وسائل الإعلام أثناء وجوده في موقع المناورة في الجولان. في وقت كان ركز حديثه خلال الشهرين الأخيرين على دور قوات اليونيفل عند الحدود الشمالية واتهامها بعدم القيام بواجبها في تنفيذ القرار 1701 مع تحذيره من خطر مواصلة تعزيز القدرات العسكرية ل"حزب الله"وتهريب الأسلحة له. ذلك جاء في وقت كثف الطيران الإسرائيلي تحليقه في الأجواء اللبنانية وسط تأكيد اكثر من مسؤول عسكري وسياسي على حق إسرائيل في مراقبة ما يحدث في المنطقة المحاذية لها منعاً لتكرار الوضع الذي نشأ منذ انسحاب إسرائيل من جنوبلبنان عام 2000 وحتى نشوب حرب تموز يوليو 2006. لماذا التشكيك في تصريحات الجيش والعسكريين حول هدف هذه المناورات؟ خلال الأشهر الأخيرة شهدت إسرائيل تطورات ساهمت في طرح التساؤلات حول ما يخطط له عسكريون وسياسيون للوضعية الأمنية على الحدود الشمالية. ولعل أبرز ما في الأمر خطة الجيش التي كشف عنها قائد منطقة الشمال، غادي ايزنكوط، وتحدث فيها في شكل واضح لا يقبل التأويل، عن أن الجيش يعد لتوجيه ضربة عسكرية شاملة وقاسية وغير مسبوقة من شأنها ان تمسح بلدات لبنانية عن بكرة أبيها وتضمن في الوقت نفسه تحقيق الهدف في غضون فترة قصيرة. وتحقيق الهدف بالنسبة الى إسرائيل يعني القضاء على البنية التحتية ل"حزب الله"وقواعده العسكرية. ولتعبئة الرأي العام حول ضرورة تحقيق هذا الهدف تكثف أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية من تقاريرها الاستخبارية حول قيام"حزب الله"بتعزيز قواعده العسكرية ونشر عناصره وأسلحته على طول الحدود مع إسرائيل وفي منطقة جنوب نهر الليطاني، وبأنه يستغل بيوتاً مأهولة بالسكان كما يستغل المساجد والمحميات الطبيعية في ذلك. بمعنى آخر فان السكان الذين يقبلون دخول"حزب الله"الى بلداتهم وأحيائهم ومساجدهم لتخزين الصواريخ والأسلحة التي سيستخدمها في حربه مع إسرائيل فانهم يتحملون المسؤولية الكاملة. وأما الدولة اللبنانية فإن مسؤوليتها بالنسبة الى إسرائيل ليست أقل، بل ان السياسيين والعسكريين والخبراء يجمعون على ان الدولة اللبنانية التي منحت شرعية ل"حزب الله"وأعطته مكانة سياسية في لبنان تتحمل مسؤولية ما يحدث اليوم من خرق للقرار 1701 حول تسلح"حزب الله"وبالتالي تتحمل مسؤولية الرد على هذه الخروقات. الرد الإسرائيلي هذا جاء في مضمون خطة الجيش التي عرضها ايزنكوط وأيضاً في تصريحات مسؤولين سياسيين وعسكريين برز بينها الإعلان بأن إسرائيل لا تقدر على تحمل الوضع الحالي ل"حزب الله". وبالنسبة الى أصحاب هذا الرأي فإن عدم القضاء على"حزب الله"وتعزيز تسلحه يعني وجود ولاية إيرانية بمحاذاة الحدود الإسرائيلية وهذا ما لا تقبله إسرائيل. وشهدت إسرائيل خلال الفترة الأخيرة نقاشاً متواصلاً حول طبيعة الحرب المقبلة، هل تكون حرباً شبيهة بحرب تموز أم حرباً من نوع آخر. وبالنسبة الى إسرائيل لن تكون حرب تموز ثانية ليس فقط بنتائجها ونوعية الأسلحة التي قد تستخدم فيها بل في طبيعة الرد الإسرائيلي والاستعدادات الحالية لها. ويختلف العسكريون والخبراء حول طبيعة هذه الحرب. ففي حين وافق البعض على خطة الجيش التي عرضها قائد منطقة الشمال مع تحفظ، فقد حذر البعض الآخر من خطورتها. الباحث شالوم زاكي من معهد الأبحاث القومية يرى ان خطة كهذه لن تساهم في ردع"حزب الله"بل حذر من خطورة تورط الجيش فيها. وبرأيه فإن الجيش وضع خطته باعتبار ان ضربات قاسية وغير متوازنة ستحقق هدفها وبسرعة، غير ان الجيش، يقول شالوم، لم يأخذ في الحسبان ان"حزب الله"يملك ترسانة صاروخية طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى تصل الى كل بلدات إسرائيل، وضربة قاسية لا تعني ان الجيش سيقضي على هذه الصواريخ من دون ان يقدر"حزب الله"على استخدامها. وبرأي الباحث لا يمكن لإسرائيل ان تضع في حساباتها انها قادرة على تدمير البنى التحتية لترسانة"حزب الله"الصاروخية من بداية الحرب، كما فعلت في بداية حرب تموز، وفق تقارير الجيش. الباحث شلومو بروم يوافق على خطة الجيش بل يرى انها الخطوة الوحيدة القادرة على القضاء على خطر"حزب الله"الذي يهدد إسرائيل، لكنه يتخوف من أبعاد هذه العملية في ان تسجل كجرائم حرب ارتكبتها إسرائيل وهنا ينصح قيادة الجيش بوضع دراسة دقيقة قبل تنفيذ الخطة تضمن أبعاد إسرائيل عن تهمة جرائم الحرب. أبرز الداعمين للخطة كان ضابط الاحتياط، غابي سيبوني، المقرب من ايزنكوط. سيبوني الذي يرد على القائلين بأن عملية كهذه لن تنجح في ضمان ردع"حزب الله"بالقول:"فقط عملية كهذه تحقق الهدف الإسرائيلي وعلى الجيش ان يوجه ضربة غير متوازنة بحيث تمس نقاط الضعف لدى"حزب الله"على ان يكون الجهد لضرب قدرات إطلاق الصواريخ ثانوياً"، ويضيف:"فور اندلاع المواجهة على الجيش الإسرائيلي العمل بسرعة وقوة عديمتي التوازن إزاء نشاط"حزب الله"ما يتطلب في ما بعد إعادة بناء لفترة طويلة وباهظة الثمن بما يرسخ في ذاكرة أصحاب القرار في سورية ولبنان سنوات طويلة وهذا في حد ذاته يؤدي مهمة الردع". أما الرئيس السابق لشعبتي التخطيط والعمليات في هيئة أركان الجيش، غيورا ايلاند، فيصل الى ابعد من ذلك ويقترح ان تبعث إسرائيل برسالة الى الحكومة اللبنانية تحملها مسؤولية الوضع القائم وتبلغها ان اندلاع حرب جديدة يعني تصفية الجيش اللبناني وتدمير البنى التحتية المدنية بما يثير معاناة لا توصف للسكان اللبنانيين"ويقول ايلاند:"لن نسمح للبنانيين ان يذهبوا الى البحر عندما يكون الإسرائيليون مختبئين داخل الملاجئ". ويعرض ايلاند وجهة نظره الداعية الى توجيه ضربة موجعة للدولة اللبنانية معتبراً أن قراراً كهذا وحده قادر على ضمان تفوق إسرائيل في حرب ثالثة مع لبنان. ويقول:"يجب ان توجه الحرب ضد لبنان كدولة وليس ضد"حزب الله"كتنظيم". وبرأيه انه لا يمكن التفوق على تنظيم إذا توفرت ثلاثة شروط الأول ان التنظيم يعمل داخل دولة والثاني منح التنظيم رعاية من الدولة أما السبب الثالث الذي سيؤدي الى هزيمة إسرائيل في حربها ضد"حزب الله"فيكون إذا حظيت دولة لبنان كجيش وبنى تحتية على حصانة كاملة من إسرائيل. وبرأيه هذا السبب هو الذي أدى الى النتائج التي انتهت اليها حرب تموز. ويحسم ايلاند بأن ضمان تفوق إسرائيل في الحرب المقبلة يكون في توجيه الحرب ضد لبنان كدولة. يحرص ايلاند في خطته على ضمان تجنيد الرأي العام الدولي ووقوف الولاياتالمتحدة الأميركية الى جانب إسرائيل في حال نفذت الخطة بتوجيه الحرب ضد الدولة اللبنانية ويقول ايلاند:"ان الوضع القائم في لبنان يعكس جانباً من التغييرات التي طرأت في العالم خلال السنوات العشر الأخيرة بما يتعلق بطبيعة الحروب حيث ان الدول الضعيفة عسكرياً تسمح بإقامة تنظيم عسكري وتدعمه في حربه ضد العدو بطريقة تستطيع فيها القول بأنها ليست المسؤولة عن هذه الحرب. فمن جهة تشجع التنظيم الإرهابي ومن جهة ثانية تتنصل من المسؤولية. وفي هذه الحالة تنأى الدولة بنفسها عن مسؤولية الأضرار التي قد تسببها الحرب في حال قررت الدولة المهاجمة محاربة التنظيم العسكري. وهذا بالضبط - يقول آيلاند - ما تفعله سورية وإيران مع"حزب الله"في لبنان، بتواطؤ من القيادة اللبنانية". ويؤكد آيلاند ان الولاياتالمتحدة تدرك طبيعة هذه الحروب وهذا الدور، فهذا ما فعله الفيتناميون الشماليون مع تنظيم الفيتكونغ وأفغانستان مع تنظيم"القاعدة". ولذلك، يقول ايلاند:"ان الهدف الأول للاستراتيجية الإسرائيلية في موضوع لبنان هو إقناع الولاياتالمتحدة ان إسرائيل مضطرة للقتال ضد الدولة التي ترعى تنظيماً ارهابياً وليس فقط محاربة التنظيم نفسه". وفي تحميله الدولة اللبنانية المسؤولية يقول ايلاند ان التصريحات الأخيرة لرئيسي الدولة والحكومة اللبنانية تعطي دعماً قوياً لادعاءات"حزب الله"في شأن الحاجة الى تحرير مزارع شبعا، وعليه يرى الرئيس السابق لشعبتي التخطيط والاستخبارات في هيئة الأركان"يمكن القول إزاء هذه الوضعية ان"حزب الله"رسول إيران في لبنان وفي شكل جزئي رسول سورية كذلك فإن الحكومة اللبنانية هي رسولة"حزب الله"". الخليوي سلاح الجبهة الداخلية في أي بحث إسرائيلي حول الاستعداد لاحتمال مواجهات على الحدود الشمالية وطبيعة الحرب المقبلة تحتل الجبهة الداخلية ومدى جهوزيتها في تحمل قصف صاروخي مكثف طويل ومتوسط وقصير المدى، اهتماماً كبيراً في الأروقة الإسرائيلية، بل ان الأبحاث والخطط التي يتداولها المسؤولون الإسرائيليون، تنطلق من هذه النقطة. قائد الجبهة الداخلية يائير غولان يعترف بعدم جهوزية الجبهة الداخلية للتصدي لصواريخ"حزب الله"وسورية في حال وقوع حرب لكنه يؤكد ان التحسينات التي أدخلت منذ انتهاء حرب تموز تجعل الوضع افضل من حيث الملاجئ والتحصينات . ويعرض يائير جهاز موبايل خاصاً يشمل المعدات التي توفرها الجبهة الداخلية لتحذير السكان من الصواريخ ويقول انه لغاية اليوم توافر 11 ألف جهاز كهذا ستتم التدريبات عليها لضمان سماع صفارة إنذار والتحذير عند وقوع الصواريخ مع تقديم الإرشادات. ما لم يذكره قائد الجبهة الداخلية يتخوف منه مسؤولون في وزارة الدفاع، وهو عدم التوصل الى الجهاز الأفضل لمواجهة الصواريخ، وفي حال اتفق على واحد منها فإن صناعتها لا تنتهي قبل ثلاث سنوات على الأقل. نشر في العدد: 16660 ت.م: 14-11-2008 ص: 17 ط: الرياض