شكَّل الحديث عن ان الحرب المقبلة في المنطقة باتت مسألة وقت، محورَ نقاش العديد من القياديين الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين اثناء تطرقهم إلى الأوضاع الامنية في المنطقة، في ظل الخلاف حول الحدود المائية مع لبنان ومرور خمس سنوات على حرب تموز. هناك من سمّاها «الحرب المقبلة»، وهناك من اطلق عليها «حرب لبنان الثالثة»، على رغم ان السيناريوات العديدة التي جرى الحديث عنها قالت إن هذه الحرب لن تقتصر على لبنان وحده، بل ستضم أيضاً سورية وحماس وإيران. لكن في السيناريوات التي عرضها البعض، كان لبنان - بتقديرهم - الشعلةَ التي ستنطلق من حدوده الحرب. قائد منطقة الشمال، غادي ايزنكوط، الذي تولى قيادة المنطقة بعد حرب لبنان الثانية حتى الاسبوع الماضي، اختار يومه الأخير في الخدمة ليعلن انه في غضون خمس سنوات نجح في الحفاظ على الهدوء في المنطقة، على رغم بعض الاحداث التي شهدتها المناطق الحدودية. ولكن، بحسب ايزنكوط، صحيح ان الهدوء كان سيد الموقف في هذه الفترة وأن جيشه خلق قوة ردع ساهمت في منع الحرب، لكن الوضع الحالي لا يطمئن، فهناك آلاف القادة والجنود الذين ينشطون على طول الحدود بهدف «ردع العدو»، والخطر في منطقة الشمال لم ينته بعد». واذا كان ايزنكوط اكتفى بالتفاخر بما تشكله قوة جيشه من ردع قوي للعدو، فإن قياديين آخرين حاولوا اعادة مصطلح «الجيش الذي لا يقهر» إلى الاذهان، بعد أن افتقدها الجيش الإسرائيلي منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، فراحوا يروجون لخطط الحرب المقبلة والتدريبات التي لا تتوقف على مدار اليوم وتحاكي سيناريو احتلال لبنان في النهار والتوغل في الأراضي السورية ليلاً، والخطة الدفاعية لسلاح البر وتزويد المدرعات بمنظومات دفاع لصواريخ الكتف المضادة للمدرعات، وأبرز ما في هذه الخطة إظهار التحسينات التي أدخلها على دبابة «همركفاة»، والتأكيد على أنها لم تعد تلك المدرعة التي يمكن «حزب الله» ان يحولها إلى هدف سهل لتسجيل تفوق في المعركة مع الجيش الإسرائيلي، فأدخل عليها منظومة حديثة تطلق قذائف «كلانيت» القادرة على إصابة خلية مطلقي صواريخ مضادة للمدرعات واختراق المخابئ التي يتحصن فيها مقاتلو حزب الله، بحيث تنتشر منها كميات كبيرة من الشظايا وتصيب المقاتلين إصابات قاتلة. كما أدخل الجيش على هذه المدرعة منظومتي الدفاع «حيتس» و «معطف الريح». ضابط الاستخبارات السابق، تشيكو تامير، الذي تولى مهمات عدة في حرب تموز، تجاوز في تهديداته الحديث عن قدرة الدفاع والهجوم ليصل إلى حد القول ان لدى الجيش اليوم القدرة على الوصول حتى بيروت ومناطق أبعد شمالاً، وإخضاع حزب الله، وقال: «حزب الله يتواجد في بيروت، ونحن سنصل إلى بيروت، ومن اجل الحفاظ على أمننا يمكننا ان ندخل إلى دولة ذات سيادة كلبنان». وتامير، كغيره من القادة السياسيين والعسكريين، وجّهوا تهديدات مباشرة لدولة لبنان، وحمّلوا حكومته المسؤولية عن أي اعتداء على إسرائيل، وأجمعوا على أن الأهداف التي وضعها الجيش في لبنان زادت، وأن لبنان كدولة وجيش وبنى تحتية ستكون هدفاً للضربات الإسرائيلية». هذا التوجه الإسرائيلي، اعتبره الرئيس السابق لمجلس الامن القومي، غيورا آيلاند، ورقة مساومة قوية امام لبنان والمجتمع الدولي بأسره. ويقول: «الواضح لنا أنه اذا وقعت حرب لبنان الثالثة، فهدفنا لن يكون حزب الله لوحده، كما حصل في حرب تموز، انما دولة لبنان والجيش اللبناني والبنى التحتية والأهداف الإستراتيجية في لبنان، وإظهار هذا الموقف اليوم يشكل ورقة ضغط لمنع أي اعتداء على إسرائيل، وهذا، براي آيلاند، يجب ان يكون الاستخلاص الأهم من عِبَر حرب تموز بدل تحسين المدرعات ومنظومات الدفاع والهجوم. وأضاف: «العالم كله اليوم، بما فيه الولاياتالمتحدة وأوروبا والعالم العربي وشعب لبنان وجميع قواه السياسية، يجتمعون على هدف واحد هو: عدم تدمير لبنان، وهذه ورقة قوية بيد إسرائيل، فنحن الوحيدون الذين لا يهمنا تدمير لبنان، إذا اختار الولاء لحزب الله». وبرأي آيلاند، فإن حرباً ثالثة مع لبنان ستكون أشد خطورة وأقوى، بعدما ادخل حزب الله تحسينات عدة على ترسانته العسكرية وبات يملك صواريخ أكثر من إسرائيل، وهي صواريخ اكثر تطوراً وأطول مدى من تلك التي تعرضت لها إسرائيل قبل خمس سنوات. ولكن هذا يتطلب الاستعداد لحرب أعنف وأسرع. وبدل ان تتواصل 34 يوماً (كما حصل في حرب لبنان الثانية)، يجب ان تنتهي في غضون ثلاثة ايام فقط. وفي هذا الجانب، كان وزير الجبهة الداخلية، متان فلنائي، الأكثرَ صراحة، وقال: «أنا لا أريد أن أُخيف أحداً بحديثي، ولكن في الحرب المقبلة ستتعرض البلدات الإسرائيلية إلى كميات كبيرة من الصواريخ لم نشهدها في الحرب الاخيرة، وإزاء هذا الوضع، امامنا أمران، فإما ان نتصرف كالنعامة ونطمر رؤوسنا في الرمال، او نواصل تدريباتنا وتجهيز الجيش وأنفسنا لمواجهة هذه المخاطر بالقوة اللازمة. وحتى يستكمل الجيش حملة ترويجه لاستعداده لحرب ثالثة يضمن فيها النصر، سمح لعدسات الكاميرا بالتقاط صور داخل مخازنه، حيث الكميات الكبيرة للاسلحة وحقائب الجنود المزودة باحتياجاتهم اليومية داخل ارض المعركة بما يضمن له التحرك السريع والوصول من البيت إلى أرض المعركة في غضون 24 ساعة فقط، والصمود ثلاثين يوماً على الاقل. مشكلة القيادة العليا امام هذه الزوبعة الكبيرة التي قامت بها القيادة العسكرية في اثناء احيائها ذكرى مرور خمس سنوات على حرب تموز، خرجت أصوات تذكِّر بالإخفاقات التي شهدتها تلك الحرب بكل ما يتعلق بعدم قدرة القيادة على اتخاذ القرارات السليمة في الوقت المناسب. المعلق السياسي والعسكري، أري شبيط، يقول بكل صراحة ان إسرائيل لم تستخلص دروساً من حرب تموز ولم تغير شكل إدارتها، كما ان تلك الحرب لم توقظها من سباتها الذي تغرق فيه ومنذ انتهاء الحرب لم تعالج مشكلة القيادة. ويقول: «حدثت تغييرات هنا وهناك، بعضها للأسوأ وبعضها للأحسن. لكن الجهازين السياسي والاعلامي يتحملان ايضاً المسؤولية عن أن الانشغال بالشخصي غلب الانشغال بالرسمي، فقد كان اليوم الذي تلا الحرب يوم خصام لا يوم تقويم. ولا تزال الأسئلة: من يقودنا؟ والى أين يقودنا؟ وكيف يقودنا؟ أسئلة مفتوحة بلا جواب. وواجه شبيط الاصوات التي تتحدث عن نصر مؤكد في الحرب المقبلة، فقال: «كشف في حرب لبنان الثانية عن فشل عسكري شديد وعن إخفاق للدولة وللقيادة السياسية. والشعور الصعب الذي خلفته الحرب هو أنه لا توجد دولة. لا توجد قيادة سياسية متزنة ومستقرة. لا يوجد مَن يدبّر أمور مدن الأشباح في الشمال. ولا يوجد من يعالج شؤون الهاربين من الشمال. ولا يوجد تكافل يربط الشمال بالجنوب والمركز. فبعد أن جعلت دولة إسرائيل نفسها اقتصاد إسرائيل، بقيت بلا قطاع عام يستحق هذا الاسم، وبلا جهاز رسمي مسؤول، وبلا شعور ملزم بشراكة المصير». وتابع: «تبين فجأة أن الروح العامة السياسية –الاستهلاكية التي طورناها لا تلائم الواقع الذي نحيا فيه، ففي يوم الحسم لن يحمينا اقتصادنا المجيد ولن يُقيمنا مثل مجتمع واحد ودولة واحدة، فهو يمنحنا القوة في جانب واحد لكنه يجعلنا ضعيفين قابلين للإصابة في جوانب اخرى. وبمثل هذا الوضع، فإننا حتما سنفاجأ مرة اخرى في يوم الحسم وسنسأل في اليوم التالي: ماذا جرى لنا؟ لماذا احتفلنا خمس سنوات فوق متن سفينة «تايتانيك» بدل أن نُقوي التايتانيك ونعدها ونعدل بها عن مسار هلاكها؟». العميد في الاحتياط، ران بيكر، الذي شغل منصب قائد في قاعدة جوية في سلاح الجو، يقول: في الحرب المقبلة يجب ان نضمن النصر في هذه الحرب، وبالسيناريوات المتوقعة لها يجب ان نعتمد المبادرة والجرأة والشجاعة والمخاطرة والأهم، يجب ان نرتكز على قيادة متزنة وشجاعة وغير مترددة بما يؤدي إلى ضياع الفرص».