اختارت الارجنتين الولد الذهبي دييغو ارماندو مارادونا لتسلمه وديعة قديمة حملها فترة طويلة كلاعب، وعاد الآن ليكمل المشوار مدرباً، على رغم اختلاط اسمه بتعاطي المخدرات والخمور والسمنة الزائدة وعلاقاته السياسية المتطرفة. ويبقى مارادونا، على رغم تخبطاته الشخصية، اللاعب رقم 10 القادر على اصطياد الاهداف الخرافية والمستعصية، مثل البرازيلي بيليه الذي ينافسه على لقب افضل لاعب في تاريخ اللعبة. ربط مارادونا بين وجهين ملائكي وشيطاني في آن، هذا الولد القادم من شوارع بوينوس ايرس الفقيرة مروراً بملعب "بومبونييرا" الاسطوري التابع لنادي بوكا جونيورز، وصولاً الى لقب "ال بيبي دي أورو" او الولد الذهبي. صور عدة تلخص مسيرة هذا الفنان الذي لا يتكرر في وسط الملعب ومركز صناعة اللعب، ومعظمها في مونديال 1986 على اراضي ال"سومبريرو" المكسيكي. صورة مؤثرة كانت تلك التي غمر فيها كأس العالم المذهبة على ملعب ازتيك بعدما لعب دور المايسترو لخوسيه لويس براون وخورخي فالدانو وخورخي بورتوشاغا الذين هزوا شباك الحارس الالماني الغربي طوني شوماخر واحرزوا المونديال للمرة الثانية في تاريخ بلاد "التانغو". صورة مماثلة من حيث الروعة، لكن على الصعيد الفني وداخل المستطيل الاخضر، عندما راوغ نصف لاعبي المنتخب الانكليزي في ربع النهائي وسجل في مرمى الحارس الخالد بيتر شيلتون. اما الصورة المحفورة في اذهان الكثيرين، هي تلك التي ارتقى فيها لاعب يبلغ طوله 1.68م، وقش الكرة بيده مسجلاً هدفاً تاريخياً في مرمى الانكليز ايضاً. نجم المنتخب الفرنسي السابق رئيس الاتحاد الاوروبي الحالي ميشال بلاتيني قال يومها: "ما استطيع ان افعله في الكرة، يفعله هو في البرتقالة". بعد فترة غير مثمرة مع برشلونة الاسباني، والامجاد الدامغة في تاريخ نابولي الفريق الجنوبي الايطالي واحرازه بطولتي الدوري عامي 1987 و1990 وكأس الاتحاد الاوروبي عام 1989، اتى شهر نيسان ابريل 1991، وجلب معه بداية النهاية لمارادونا اللاعب، عندما ظهر بين شرطيين يقتادانه لحيازته وتعاطيه مادة الكوكايين. ترك مارادونا عالم كرة القدم كلاعب وهو بعمر ال37، بعد سلسلة طويلة من الفضائح، ليدخل في صراع مرير مع عالم الادمان والسمنة، أوصله الى حافة الموت نتيجة ازمات قلبية عدة كان اخطرها عام 2004. بقي مارادونا اربعة اعوام ذهاباً واياباً على خط كوبا-الارجنتين يحاول التخلص من ادمانه، نظراً للصداقة المتينة التي تربطه بالرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو. عام 2005، خضع مارادونا في بوغوتا الكولومبية لجراحة في معدته ساعدته في خسارة 50 كلغ من وزنه الزائد. عاد مارادونا بعدها الى "الحياة"، ونجح في استقطاب اكبر كمية من المشاهدين في البرنامج التلفزيوني الذي قدمه "الليلة الرقم 10" بمساعدة الحارس الدولي السابق سيرجيو غويكوتشيا، ومن الحلقات الملفتة تلك التي استضاف فيها "الملك" البرازيلي بيليه. لم يستخلص دييغو اي عبرة، عاد للشرب، سمن مجدداً وسقط في هاوية جديدة اوصلته الى المستشفى عام 2007، لكن القدر وصلوات ملايين الارجنتينيين الذين يعبدون هذا الرمز اعادته الى شاطئ الحياة مجدداً. ظهر نجم برشلونة الاسباني ونابولي الايطالي السابق من المدرجات هذه المرة يلاحق منتخب بلاده في القارات المختلفة، ويراقب النجوم الصاعدة من ليونيل ميسي الى سيرجيو اغويرو "الصهر" المنتظر. وبعدما رمى المدرب الفيو بازيلي اوراقه على رأس ال"البي سيليستي"، لعب رئيس الاتحاد الارجنتيني خوليو غروندونا الورقة المنتظرة، دييغو مارادونا مديراً فنياً بمعاونة سيرجيو تروليو، في حين استلم المدرب السابق في انتصار 1986 كارلوس بيلاردو مهمة مدير المنتخب، وذلك قبل يومين من عيد ميلاد مارادونا الثامن والاربعين. لم تكن مسيرة مارادونا المدرب مشجعة ابداً، فهي اقتصرت على بضعة اشهر مع ناديي مانديوو كورينتيس وراسينغ كلوب الارجنتينيين، في منتصف التسعينات من القرن الماضي. الواقعة التاريخية تتكرر، مرة جديدة تسلم الارجنتين الوديعة الى ولدها الذهبي.