ترافق ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في الأعوام الأخيرة، مع استعراض قادة فنزويلاوإيرانوروسيا عضلاتهم في الساحة الدولية، وتوسلهم بديبلوماسية المال، والتخويف والتهديد. ولكن هل في وسع هذه البلدان، اليوم واثر تراجع أسعار النفط، أن تواصل تمويل مشاريع مجابهة الهيمنة الأميركية؟ لا ريب في أن تمويل مثل هذه الطموحات عسير، اثر انخفاض سعر برميل النفط من 147 دولاراً الى نحو 74,25. ولا يترتب على صعوبة التمويل وعسره تخلي هذه البلدان عن أهدافها السياسية. فأسعار النفط لا تزال مرتفعة، قياساً على أسعارها في الأعوام القليلة الماضية. وهي مرشحة الى الارتفاع مجدداً. ولكن استقرار الأسعار على المستويات الحالية قد يحمل هذه الدول على تقليص نفقاتها، أو تعديل أولوياتها. ومن شأن الكساد العالمي أن يفاقم سوء الأمور. فيتراجع الطلب على موارد الطاقة، وتنحو الأسعار الى الانخفاض. ولم يتضح بعد ما إذا كانت أسعار النفط الجديدة تخفض مستويات التوتر مع هذه الدول، أو ما إذا كان قادة الدول الثلاث سيواصلون الغلو في مطالبهم، ولو لم يستطيعوا تمويل الأعمال الاستفزازية. وأنفق الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، شطراً من عائدات النفط على شراء الأسلحة الروسية، وأمضى ولايته الرئاسية يهاجم الولاياتالمتحدة، ويلقي خطابات معادية لها وللنموذج الرأسمالي، ملوحاً بإصبعه ومحذراً. وخطب تشافيز ود عدد من الدول، وأهداها شحنات من النفط في محاولة لكسب الأصدقاء، ومنهم الرئيس البوليفي، ايفو موراليس، الذي طرد سفير الولاياتالمتحدة الشهر الماضي من بلاده. ورفع تشافيز عتبة الإنفاق المحلي، وأنشأ جملة برامج رعاية اجتماعية رامية الى بناء الدولة الاشتراكية، وقمع المعارضة. وتبعث أسعار النفط الحالية القريبة من 60 دولاراً للبرميل الواحد القلق في أوساط الاقتصاديين بفنزويلا. ويتخوف هؤلاء من احتمال عجز الحكومة عن تسديد فواتيرها، ومنها ثمن صفقات الأسلحة. ويبلغ معدل التضخم المالي في فنزويلا 36 في المئة. وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم. وعلى خلاف الاقتصاديين، أعلن تشافيز ان في وسع فنزويلا أن تتحمل انخفاض أسعار النفط. ففي جعبتها 40 بليون دولار من احتياطي النقد الأجنبي. ولكنه لم يفلح في طمأنة الاقتصاديين. ففي خطابه تناقض، وهو يستخف بآثار انخفاض أسعار النفط، ويعلن أن خططه هي رهن عائدات مالية توفرها أسعار نفط لا تقل عن 80 دولاراً للبرميل. ولا شك في أن ارتفاع أسعار النفط هو وراء صمود إيران في وجه العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. فهي تملك ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم. وتوسلت إيران الأموال النفطية لبسط نفوذها بالعراق ولبنان، ولتحدّي السياسة العربية بالشرق الأوسط، وللتدخل في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بواسطة حركة"حماس". وأسهمت الأموال هذه في إحكام المتشددين الإيرانيين قبضتهم على السلطة من طريق إنشاء شبكة زبائنية سياسية. وقبل تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط، واجهت ايران أزمة اقتصادية خانقة. فالتضخم بلغ 30 في المئة. وفي هذا الشهر، تمرد التجّار على فرض الحكومة ضريبة على أعمالهم. وانتهج الرئيس نجاد سياسة رفع الإنفاق الحكومي لمواجهة ذيول الضائقة الاقتصادية. وبحسب صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تقع إيران في عجز مالي كبير، في حال انخفضت أسعار النفط الى 75 دولاراً للبرميل. وأغلب الظن ألا تتراجع إيران عن سياساتها الاستفزازية، على وقع تفاقم الأزمة الاقتصادية. ولكن تراجع الأسعار على المدى الطويل يفضي إلى الكساد الذي قد يحمل طهران إلى قبول تسوية برنامجها النووي. وفي شتاء 2006، قطعت روسيا إمدادات الغاز الطبيعي عن أوكرانيا، إثر بلوغ حكومة موالية للغرب السلطة. واستخلص بعض المسؤولين الغربيين ان هذه الخطوة هي دليل على أن روسيا تتوسل احتياطاتها النفطية الهائلة لاسترجاع هيبتها الآفلة. وقبل شهرين، تخاذلت بعض الدول الأوروبية في مواجهة روسيا، ولم تدن إدانة حازمة اجتياح روسيا أراضي جورجيا. وبدا أن تلويح بوتين بسلاح النفط، أثمر. ومع انخفاض الأسعار، قد لا تكتب الحياة طويلاً لسياسة بوتين. وفي وسع أوروبا أن تتنفس الصعداء. فنفوذ روسيا على المستوردين تقهقر، وضعف. وينبه الخبراء الروس الى أن بلادهم تمكنت من استيعاب صدمة انخفاض الأسعار. فهي انتهجت سياسات مالية محافظة، في الأعوام الأخيرة. وأودع جزء كبير من عائدات النفط في اثنين من صناديق الاستقرار الادخار. وبلغت قيمة المدخرات 190 بليون دولار، في مطلع هذا الشهر. وتوسل الكرملين بعض موجودات الصناديق المالية لدعم القطاع المصرفي وسوق الأوراق المالية، إثر الأزمة المالية الدولية. وقد يمد الكرملين يد العون الى أوليغارشيين يعانون خسائر مرتفعة جراء الأزمة. وهذه الأعباء المالية، وانخفاض عائدات النفط والغاز، قد يعوقان مشروع الكرملين تحديث بنية روسيا التحتية المتهاوية، ويعرقلان الطموحات الروسية الخارجية. عن سيمون روميرو، مايكل سلاكمان، كليفورد ليفي،"نيويورك تايمز"الأميركية، 21/10/2008