لا شك في أن توقيت شن قوات خاصة أميركية عملية كوماندوس في الأراضي السورية يبعث على الدهشة. وليس مرد الدهشة إلى إشادة مسؤولين أميركيين بسعي سورية في وقف تسلل المقاتلين عبر حدودها الى العراق، في الأشهر الماضية، بل الى حيثيات تسويغ الضربة، وتبريرها. ونسب مسؤولون أميركيون الى إدارة بوش عزمها على انتهاج سياسة دفاعية لا تتقيد بقيد سيادة دولة أخرى، وتوسيع مفهوم هذه السياسة الى شن هجمات على أهداف عسكرية في دول ذات سيادة. والعملية الأميركية بسورية، هي، شأن عملية الإنزال الأميركي قبل نحو سبعة أسابيع بباكستان، مرآة سياسة جديدة لجأت إليها الإدارة الأميركية الضعيفة، في الأشهر الأخيرة من ولايتها. ولكن هل تفضي هذه السياسة الدفاعية الجديدة الى استهداف معسكرات تدريب ل"قوات شيعية خاصة"، في الأراضي الإيرانية؟ وسبق لهذه المجموعات أن شنت هجمات على قوات الأمن العراقية والأميركية بالعراق. وأعلن مسؤولون أميركيون، أن العملية في الأراضي السورية خطط لها في نهاية الأسبوع الماضي نزولاً على أوامر وكالة الاستخبارات المركزية،"سي آي أي". فهذه الوكالة حددت موقع العراقي،"أبو غدي"، المشتبه في قيادته خلية تمرد. ومنذ هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر، وجهت الولاياتالمتحدة ضربات الى ارهابيين في أراض خارجة على سلطة الدولة في دول مثل اليمن والصومال. وعلى خلاف هذه الضربات، تستند ادارة بوش في تسويغها الهجمات داخل الاراضي السورية والباكستانية الى حجة قانونية تبرر شن هجمات على دول ليست في حال حرب مع الولاياتالمتحدة. وثمة فرق بين التسويغ القانوني وبين مبدأ الحرب الاستباقية الذي أقرته الادارة الاميركية، اثر هجمات الحادي عشر من أيلول، أعملته في اجتياح العراق. فالحرب الاستباقية تشن على حكومات وجيوشها، في حين أن مبدأ الدفاع عن النفس، وهو نهج الإدارة الأميركية الجديد، يسوغ الهجمات على مقاتلين في دول أجنبية يهددون مصالح الأميركيين، ومصالح حلفائهم. ونبّه مسؤولون أميركيون الى أن الرئيس بوش أعلن هذا النهج الجديد في خطابه أمام جمعية الأممالمتحدة العامة، الشهر الماضي. فهو قال:"نحن رؤساء الدول ملزمون الحؤول دون استخدام الإرهابيين أراضينا، ومكافحتهم قبل انتقالهم الى دول أخرى... نحن ملزمون منع الأنشطة الإرهابية، وانتشار تجارة البشر والجريمة المنظمة". وعلى رغم ملاحظة الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الاميركية السابق بالعراق، ان عدد المقاتلين المتسللين من سورية الى العراق انخفض من 120 في الشهر الى 20 مقاتلاً تشتبه الولاياتالمتحدة في أن سورية ترعى جماعات تعادي الحكومة العراقية. فالقوات السورية ألقت القبض على مقاتلين حال نزولهم بمطار دمشق في طريقهم الى العراق. ولكنها واصلت إمداد المقاتلين بالمال والسلاح. ويأمل بعض المسؤولين الأميركيين أن ينتهج الرئيس القادم هذه السياسة الدفاعية نفسها. والحق أن الجيش الاميركي شن هجمات سابقة على الاراضي السورية في اطار عمليات عسكرية في العراق. واقتصرت هذه الهجمات على توجيه ضربات صاروخية على أهداف في سورية، ولم تتعدَّها الى ملاحقة المتمردين داخل سورية، على ما حصل الاحد الماضي. وتسعى الادارة الاميركية الى الاستعانة بالقانون الدولي، وخصوصاً المادة 51 من شرعة الاممالمتحدة، لتبرير عملياتها في سورية وباكستان، على ما فعلت إسرائيل للإفراج عن رهائن إسرائيليين في أوغندا، في 1976، وكولومبيا لملاحقة ميليشيا"فارك"في الدول المجاورة، وتركيا لملاحقة"حزب العمال الكردستاني"بشمال العراق. وتنص المادة على حق الأفراد والدول في الدفاع عن النفس، وشن هجمات عسكرية في أراضي دول ذات سيادة تخل بواجباتها. وأول واجباتها وقف تهديد إرهابيين مصالح دول أخرى انطلاقاً من أراضيها. عن ايريك شميت وتوم شانكر،"انترناشينال هيرالد تريبيون"الدولية، 28/10/2008