آن أوان مغادرة الولاياتالمتحدةالعراق. ومثل غيرنا من الأميركيين، استبعدنا هذه الخطوة في انتظار نتائج مساعي الرئيس بوش لانتشال الولاياتالمتحدة من كارثة ترتبت على اجتياح العراق من دون إعداد خطة لارساء الاستقرار فيه بعد اجتياحه. وفي البدء، حسب الاميركيون ان من واجب بلادهم مساندة بوش في إنجاز ما وعد به، أي بناء دولة مستقرة، وضمان وحدة العراق، بعد تدمير الحكومة العراقية والبنية الاقتصادية، وحل الجيش والشرطة. ولم نرض تحديد جدول انسحاب من العراق لتفادي اندلاع الفوضى. وتجاهل الرئيس بوش التزام وقت محدد لتنفيذ تعهداته، ولم يتوقف عن وعد الاميركيين بتحقيق إنجازات بعد الانتخاب، وبعد اقرار الدستور، وبعد زيادة عدد الجنود. ولكن هذه الخطوات التأسيسية لم تفض الى الاستقرار، أو الى تحسن الاوضاع في العراق. ولا شك في ان الرئيس بوش ينوي متابعة سياسته هذه الى حين انتهاء ولايته، ورمي المسؤولية على خلفه. وهذا أمر فظيع ومخيف. ولا شك، كذلك، في ان القادة السياسيين العراقيين، وواشنطن ساندت وصولهم الى السلطة، عاجزون عن تقديم المصالح الوطنية على مصالحهم الفئوية والطائفية. فقوات الأمن الأميركية التدريب هي ميليشيات. وفشلت زيادة عدد القوات الأميركية ببغداد عن تحقيق النتائج المرجوة. والحق ان الاستمرار في التضحية بالجنود الاميركيين هو سياسة خاطئة. فهذه الحرب قوضت تحالفات الأمة، واستنفدت قواتها العسكرية. ولا شك في انها عبء كبير على دافعي الضرائب الاميركيين، وتخذل عالماً يحتاج الى حكمة القوة الاميركية ومبادئها. ويكاد الاميركيون، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، يجمعون على هذه الخلاصات. ويجب ان يكون انسحاب الأميركيين من العراق من أولويات الكونغرس عند انعقاد جلساته. على الأميركيين أن يدركوا ان العنف الدموي قد ينفلت من عقاله بالعراق ودول الجوار، غداة مغادرة الأميركيين. وقد تشن هجمات انتقامية على من عمل مع القوات الاميركية، وتتعاظم ضراوة عمليات التطهير الاثني والعرقي. وقد تهدد موجات النازحين من العراق الى سورية والأردن استقرار هذين البلدين. وقد تحاول ايرانوتركيا بسط نفوذهما على العراق. وقد تزيد الاعمال الارهابية بالعراق. فالاجتياح أنشأ بورة جديدة للارهاب. وعلى الادارة الاميركية، والغالبية الديموقراطية في الكونغرس، والامم المتحدة وحلفاء اميركا، النظر في ما يترتب على الانسحاب الاميركي، والسعي الى ضبط الحال فيه، ومنع تفاقمها. ولا ريب في ان اميركا في حاجة الى البحث في برمجة الانسحاب، ومعالجة التحديات المقبلة والمترتبة على هذه الخطوة. ويجب ضمان أمن القوات الاميركية المغادرة. ولا شك في ان الحرب على العراق قوضت جهود محاربة الارهاب بأفغانستان، وملاحقة قادة"القاعدة"على الاراضي الافغانية. وأسهمت هذه الحرب في ابتعاد حلفاء اميركا عنها، وفي إضعاف الجاهزية الاميركية العسكرية. وفي وسع الولاياتالمتحدة أن تبرم اتفاقاً مع الأكراد، وتنشئ قواعد اميركية بشمال العراق، أو أن ترابط قوى التدخل بالعراق وحيث قواعدها بالكويت وقطر والخليج. ولكن شن هجمات على العراق من هذه البلدان، قد يفضي الى زعزعة الاستقرار فيها. وفي حال بقيت قوات اميركية على الاراضي العراقية، تعاظمت احتمالات انزلاقها الى التورط مجدداً في الحرب الاهلية. والحرب الاهلية دائرة في العراق، على خلاف زعم الرئيس بوش أن الانسحاب من العراق قد يفضي الى حرب أهلية. ولكن مغادرة القوات الاميركية العراق قد تحمل القادة العراقيين، ودول الجوار، على إدراك الواقع، وعلى مباشرة المصالحة الوطنية. ويحسن بالولاياتالمتحدة أن تعمِل نفوذها، وتلزم العراقيين ودول الجوار عقد تسوية ما. وقد تكون هذه التسوية على الطريقة البوسنية، وتضمن قسمة عادلة للموارد الاقتصادية. وقد تفترض هذه التسوية السياسية انتقال ملايين العراقيين من منطقة الى أخرى، عوض التعويل على عمليات التطهير الاثني ? الديني لتهجير الناس. وعلى الولاياتالمتحدة السعي الى معالجة مشكلة النازحين العراقيين، والتعاون مع دول الجوار العراقي، تركياوايران والكويت والمملكة العربية السعودية والاردن وسورية. وإهمال هذه المسألة قد يضيف الى معاناة النازحين الانسانية مأساة اقليمية أخرى، ألا وهي امتداد النزاع العراقي الى خارج حدوده. من افتتاحية "نيويورك تايمز" الاميركية، 8/7/2007