الاجتماع الاستثنائي لوزراء دول "أوبك" بعد غد الجمعة في فيينا يعقد في ظروف صعبة جداً للمنظمة. فمن ناحية هناك أزمة مالية اقتصادية عالمية أجبرت حكومات الولاياتالمتحدة وأوروبا وروسيا على إنقاذ القطاع المصرفي عبر وضع خطط إنقاذ كلفت تقريباً 4 آلاف بليون دولار لإنقاذ البنوك من الإفلاس. ومن ناحية أخرى، هناك أزمة اقتصادية نشأت عن ذلك وهي تؤثر على ارتفاع الطلب على النفط الذي بدأ ينخفض منذ نهاية الصيف وبداية الخريف. فهناك دول مثل السعودية وهي أكبر منتج للنفط في العالم خفضت في شهر ايلول سبتمبر إنتاجها تمشياً مع حاجات زبائنها. أما الآن فأمام دول"أوبك"خيار صعب جداً وهو تقدير مستوى انخفاض الطلب على النفط نظراً للأزمة المالية والاقتصادية، ثم الأخذ في الاعتبار ان منظمة"اوبك"مسؤولة ولا تريد المساهمة في تخويف الأسواق العالمية التي تعاني أزمات مالية وهزات تتخذ الحكومات خطوات كبرى لإنقاذها. فإذا تطلعت دول"أوبك"الى حماية سعر برميل النفط عند معدل مئة دولار أو أكثر سيعني هذا انها ستخفض الانتاج بمعدل مليون برميل في اليوم أو اكثر. إلا ان مستوى السعر ما بين 70 و90 دولاراً في ظل الظروف المالية والاقتصادية الحالية يعتبر مقبولاً لدول"أوبك"لأنه يعبّر عن أسس السوق للعرض والطلب. صحيح ان أسعار النفط بلغت في الصيف الماضي 147 دولاراً من دون ان يعبّر ذلك عن عوامل السوق، اذ أن المضاربات هي التي أدت الى هذه الأسعار، وبعض دول"أوبك"كانت مسرورة لزيادة عائداتها، ولكن البعض تخوف من أثر سلبي على الاقتصاد العالمي. فالاقتصاد العالمي تدهور ليس بسبب أسعار النفط ولكن بسبب سوء إدارة القطاع المالي في الولاياتالمتحدة ودول أخرى. وللمرة الأولى تدخلت الولاياتالمتحدة وتخلت عن أسس نظامها الرأسمالي. فالولاياتالمتحدة تسمي"أوبك""الكارتيل"لأنها تخفض الإنتاج وتحمي الأسعار، وتتهم المنظمة بأنها تتدخل في السوق النفطية في حين ان الولاياتالمتحدة ابتعدت عن مبدأ حرية السوق وتدخلت لإنقاذ الأسواق. ان امام منظمة"أوبك"مسؤولية كبرى الآن لاتخاذ القرار المناسب. فهل تخفض كمية كبيرة من إنتاجها كي ترفع الأسعار أو تجري تصحيحاً بسيطاً للإنتاج تمشياً مع انخفاض الطلب. فالتقييم هنا صعب، وللمرة الأولى منذ سنوات أظهرت أرقام التوقعات على الطلب على نفط"أوبك"حسب وكالة الطاقة الدولية أن هذه الأرقام أقل من أرقام انخفاض الطلب على نفط"أوبك"الذي تتوقعه المنظمة. فكثيراً ما تعمل وكالة الطاقة الدولية على تضخيم توقعاتها من الطلب على النفط بسبب الضغط على"أوبك"كي لا تخفض إنتاجها، أما الآن فالأرقام الحالية أقل وهذا تطور جديد. فماذا ستفعل أوبك؟ هل تخفض إنتاجها في شكل كبير لأنها تتخوّف من تدهور أسعار أكبر؟ هذا غير معروف الآن، علماً انه كثيراً ما كان يُعرف اتجاه قرار"اوبك"قبل اجتماعها. ولكن الأمور بالغة الصعوبة اليوم والحذر مطلوب، لأن العالم ينظر الى"أوبك"وقراراتها بقلق. ورئيس حكومة بريطانيا غوردون براون الذي شارك في شكل كبير في إنقاذ القطاع المالي والمصرفي في بريطانيا يعد لاجتماع المستهلكين والمنتجين في لندن في كانون الأول ديسمبر، وهو سيزور السعودية قريباً للبحث في هذه المواضيع. فمن الصعب على"أوبك"ان تأخذ قرارات تظهر انها تسعى الى أسعار نفط مرتفعة من جهة ومن جهة أخرى لا يمكنها ان ترى سعر البرميل يهبط الى اقل من 70 دولاراً من دون أن تمنع هذا التدهور السريع. فالوضع بالغ الحساسية وصعب، لذلك وضعت ميزانياتها على أساس أسعار مرتفعة وتعوّدت على تدفق أموال النفط والغاز. لا شك ان مؤتمر"أوبك"في فيينا سيتطلب تفاهم جميع الدول على مسؤوليتها المشتركة لعدم تأزيم الأمور على الصعيد الاقتصادي العالمي، وفي الوقت ذاته لحماية مستوى سعر نفط مقبول لن يذهب إلى أقل من 70 الى 90 دولاراً. فالرهان صعب ولكن"أوبك"منظمة مسؤولة، ومهما كانت الخلافات فهي منذ خمس سنوات تأخذ القرارات الصائبة على رغم انها ليست مسؤولة عن الارتفاع الكبير في سعر برميل النفط.