حوار الفرصة الأخيرة، هكذا ينظر ويتعاطى الجميع مع جولات الحوار الفلسطيني شبه المتواصلة في العاصمة المصرية القاهرة، فبعد مئة يوم تقريباً تنتهي ولاية الرئيس محمود عباس القانونية والدستورية ما يتقضي حكماً التوجه الى انتخابات رئاسية أو التوافق الوطني على التمديد في شكل دستوري وقانوني أو الذهاب نحو المجهول وتكريس الانقسام الوطني والجغرافي بين سلطتين وحكومتين ورئيسين أيضاً. هناك قناعة أخرى تقول إن ثمة فسحة زمنية لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي استغلالاً للانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية والمساعي الإسرائيلية لتشكيل الحكومة الجديدة، اضافة الى أجواء التهدئة الإقليمية التي تشكل مجتمعة ظروفاً مواتية لإنجاز الهدف الفلسطيني والعربي الأهم في إنهاء الانقسام والصراع وتكريس الوحدة الوطنية ولو في حدها الأدنى. شهدت بورصة الحوار صعوداً وهبوطاً ورست أخيراً على أجواء من التفاؤل الحذر، ومزاج التفاؤل المستجد يستند الى تغيير مهم في التعاطي المصري مع الحوار شكلاً وموضوعاً. من حيث الشكل تخلت مصر عن فكرة الحوار في شكل منفصل مع كل فصيل على حدة ثم بلورت ورقة لتقديمها الى الفصائل، وبعد جولات الحوار مع الفصائل اقتنعت مصر بضرورة عقد حوارات ثنائية وجماعية بإشرافها ورعايتها من أجل التفاهم والتوافق على الصفة النهائية للحل. أما مضموناً فقد توصلت مصر الى حل وسط بين مطلب"فتح"بعدم التفاوض الثنائي إلا بعد التوقيع على اتفاقية المصالحة ومطلب"حماس"بعدم التوقيع إلا بعد التفاوض على كل التفاصيل، الحل المصري تمثل ببلورة ما يشبه إعلان المبادئ على الطريقة الفلسطينية ? الإسرائيلية أو خطوط عريضة للحل تتضمن تشكيل حكومة توافق وطني وإعادة بناء الأجهزة الأمنية والانتخابات الرئاسية والتشريعية وتطوير وتفعيل ? اعادة بناء ? منظمة التحرير والعودة بالأوضاع الفلسطينية الى ما كانت عليه قبل أحداث حزيران يونيو 2006. لا بد من الإشارة الى أن اعلان المبادئ والذي يكاد يحتاج كل بند فيه الى تفاوض مضن وربما الى اتفاق منفصل حوله جاء نتيجة تقديم تنازلات متبادلة من الجانبين المؤثرين والمركزيين أي"حماس"و"فتح". فحكومة التوافق الوطني جاءت كحل وسط وحدة وطنية على غرار تلك التي شكلت بعد اتفاق مكة، ويفترض أن تضم شخصيات سياسية ? غير قيادية ? ومستقلين، وتكون مقبولة فلسطينياً وعربياً ودولياً وتستطيع الإشراف وإدارة مناحي الحياة المختلفة خصوصاً لجهة رفع الحصار وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ويجرى الحديث كذلك عن تفاهم ضمني يتعلق بإشراف الحكومة الجديدة على عمل المعابر وتحديداً معبر رفح وانتشار الحرس الرئاسي هناك لتأمين المعبر، وهذه النقطة على تماس مباشر مع بند اعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية ووطنية، وفي السياق تم غض النظر عن فكرة ارسال قوات عربية الى غزة والاكتفاء بخبراء يشرفون على بناء الأجهزة في الضفة وغزة أيضاً، مع إدماج من قامت"حماس"بتفريغهم ضمن ملاك الشرطة في المنظومة الجديدة على قاعدة المهنية ووضع عبء القيادة على عاتق شخصيات غير حزبية تتمتع بالكفاءة والمناقبية. وخلف هذه التوجهات تكمن القناعة باستحالة استبعاد أو تهميش"حماس"في ضوء سيطرتها الميدانية على الأرض وكذلك الاعتقاد بأن بناء الأجهزة سيحتاج الى فترة زمنية طويلة وبالتالي استحالة تأجيل الملفات العالقة والمتصلة مثل فتح المعابر الى حين الانتهاء من ذلك. البند الأكثر سخونة يتعلق طبعاً بالانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهنا أيضاً ثمة أمور مهمة ينبغي التفاهم حولها مثل المواعيد والضمانات والقانون الذي ستجرى على أساسه الانتخابات وتحت وطأة الروزنامة الزمنية الضاغطة، واستحالة التوصل الى تفاهم أو توافق على كل البنود بالتوازي بحسب وجهة نظر"حماس"ومصر، وليس بالتوالي، كما تريد"فتح"طرحت فكرة تمديد ولاية الرئيس محمود عباس ستة أشهر وربما سنة أيضاً لكن من خلال آليات دستورية وقانونية وعبر المجلس التشريعي بعد استئناف عمله وممارسة دوره الطبيعي في التشريع والإشراف على أمل حكومة التوافق، وهو مطلب منطقي تصر عليه"حماس"ويوازن أو يقابل استعدادها للتنازل عن رئاسة الحكومة لمصلحة شخصية مستقلة، وكذلك عن حقها في غالبية المقاعد الوزارية بحسب نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة. هناك بنود أخرى مهمة يتضمنها إعلان المبادئ ولكن ليست عاجلة أو ملحة مثل إعادة بناء منظمة التحرير واعادة الأوضاع الفلسطينية الى ما كانت عليه قبل حزيران يونيو 2006، وفي هذا الصدد ربما تتم العودة الى صلب وجوهر وفلسفة اتفاق مكة حيث تبدأ الشراكة السياسية من السلطة الوطنية وتتمدد باتجاه منظمة التحرير والانتخابات التشريعية المقبلة تمثل الخطوة الأولى والمركزية نحو اعادة تشكيل المجلس الوطني بالانتخابات في الداخل وبالتوافق في الخارج، على أن ينتخب المجلس لجنة تنفيذية ومجلساً مركزياً وهذا قد يمثل أيضاً حلاً وسطاً بين مطلب"فتح"بدخول"حماس"الى المنظمة الآن والعمل على الإصلاح والتطوير بعد ذلك وإصرار"حماس"على اعادة البناء والتطوير قبل الانضواء تحت لواء المنظمة. اعلان المبادئ سيؤدي تنفيذه في المحصلة الى اعادة الأوضاع الى ما كانت عليه بالبعد الايجابي وليس السلبي، علماً أن هناك خلافات وتباينات واحتقانات يستلزم تجاوزها عملاً سياسياً وتنظيمياً واجتماعياً واقتصادياً جاداً وبناء من مختلف الأطراف، ويحتاج الى مدى زمني عريض وأجواء تصالحية وتوافقية ايضاً، والخطوة الأولى في مسيرة آلاف ميل هذه تتمثل بوقف الحملات الإعلامية المتبادلة وإطلاق المعتقلين السياسيين ومن دون ذلك يستحيل تصور تنفيذ دقيق وأمين لإعلان المبادئ السالف الذكر. في الخلاصة النهائية يبدو اعلان المبادئ كخليط أو مزيج وبالأحرى اعادة إنتاج لوثيقتي القاهرة في آذار مارس 2003، والوفاق الوطني في حزيران يونيو 2006 واتفاق مكة ويفترض أن يؤسس عملياً لهدنة أو تهدئة فلسطينية - فلسطينية من أجل تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي وإعطاء الفرصة لمفاوضات التسوية، علماً ان مضمون أو مغزى الإعلان يتضمن تمديد المدى الزمني التفاوضي لعام قادم واستمرار التهدئة السارية رسمياً في غزة ضمنياً في الضفة الغربية على ان تتمثل الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة في كانون الثاني يناير 2010 استفتاء على نتائج المفاوضات والخيارات الواجب اتباعها في حال فشل المفاوضات في انتزاع أو استعادة الحقوق الفلسطينية. الضمانة العربية والدولية والأوروبية تحديداً متوافرة خصوصاً بعد النتيجة المأسوية لمحاولات عزل"حماس"واقصائها من المشهد السياسي الفلسطيني وكذلك الاستنتاج باستحالة ابقاء المفاوضات مستمرة الى ما لا نهاية، والحل المنطقي والواقعي يتمثل بضرورة اعطاء الفرصة وتهيئة الظروف أمام المفاوضات واعادة بناء السلطة الوطنية من جديد ومن ثم اعطاء الشعب الفلسطيني كامل الحرية للتعبير عن قناعاته وخياراته من دون تدخل أو وصاية من أحد، وعلى أساس قانون انتخابي عادل ومتوازن وعصري يتبنى النسبية الكاملة بدلاً من القانون السابق الهجين والفئوي والذي أوصلنا الى المأساة الحالية. * كاتب فلسطيني - مدير مركز شرق المتوسط للدراسات والإعلام