لم يستطع فيلمان سينمائيان صامتان ل"والت ديزني"، هما "الخطة المجنونة" و "غالوبان غوشو"، استيلاد شخصية"ميكي ماوس"في المخيلات، عام 1928. واقتضى الأمر تدخّل التكنولوجيا كي تُنجز تلك"الولادة"الأسطورية. ففي تلك السنة، استخدم مُبتكر أفلام الكرتون، والت ديزني، تقنية الصوت في إخراج فيلم"المَركب البُخاري وِيلي"، الذي أطلق"ميكي ماوس"إلى الأعين، ليصبح الشخصية الخيالية، غير البشرية، الأولى في الفن السابع. ومن نجاحه، انطلقت أفلام الكرتون وشخصيات"ديزني"ثم حدائقها التي راجت عالمياً. ومع المعلوماتية، وُلدت أنسال لفأر الرسوم"التوهيمية". وصَنعت التكنولوجيا الرقمية أفلام الإحياء بالكومبيوتر التي أغنت الترفيه الالكتروني وألعابه، وطوّرت أيضاً الفن السابع نفسه، بطريقة جذرية. ووصل الأمر الى ذروته راهناً في فيلم"بيوولف"2007، الذي صُنعت شخصياته بأسلوب المحاكاة الافتراضية الثلاثية الأبعاد، وبالاستغناء عن البشر الممثلين إلا في... الصوت! وبذا، تبدو الأمور وكأنها دارت دورة شبه كاملة، لكنها لولبية، لأنها عادت إلى نقطة أعلى كثيراً في التقنية والفن، من نقطة الانطلاق، أي ميكي ماوس في"المركب البُخاري ويلي". ويبدو أن هذا الخيال والتقنية والصنعة والفن ومساراتها لم تصل إلى الداعية محمد المنجد، الذي ظهر على إحدى الشاشات ليهدر دم الفأر، الذي هو صنعة الخيال والتوهيم. ألم يصل إليه أيضاً أن"ميكي ماوس"لا جسم له ولا لحم و لا دم، ما يجعل تطبيق عقوبة الموت عليه مستحيلة؟! وليس المنجد فريداً في غرابة فتاويه المتلفزة. والأرجح أنه يندرج في إطار الظاهرة التي تُسمى"دُعاة التلفزيون". وقد بات التلفزيون، وهو من الأجهزة التي ساهمت في انتشار"ميكي ماوس"وأشباهه عالمياً، مكاناً لفتاوى تصدر بالصوت والصورة، وأخرى تكتب بكلمات قليلة على الشريط المتحرك في القسم السفلي من الشاشات. وبعض تلك الفتاوى يصعب أن توصف إلا بالغرائبية، وقد باتت موضع نقاش في كثير من وسائل الإعلام. واستطراداً، اهتمت غير شاشة فضائية بموضوع عدم السماح دينياً بقراءة السور القرآنية من شاشة الخليوي خلال الصلاة. وذكّر ذلك بأن خليويات الجمهور تحتضن نُسخاً رقمية ناجزة من القرآن الكريم، منذ السنة الفائتة. كما يُذكّر ذلك، ولمناسبة الحديث عن حوار الحضارات والأديان، بأن الفاتيكان وضع الكتاب المُقَدّس بعهديه القديم والجديد على هيئة رسائل خليوي نصيّة أس أم أس في عام 2005. وعلى عكس مبادرة حوار الأديان التي تقودها المملكة العربية السعودية، تكتظ المواقع العربية على الانترنت بسجالات متوترة، وبعضها موتور، بين الأديان. ولا يتورّع الخائضون في تلك السجلات التي لا تساهم إلا باستفزاز الأعصاب الطائفية، في استخدام لغة التحريض المباشر وألفاظ الكراهية وحوادث غير مُدقّقة، لنشر تحريض طائفي حاد. وفي هذا المعنى، تبدو الإنترنت عربياً وكأنها ساحة"حروب"حضارات وأديان، وربما أوسع مما توقعه المُفكر الأميركي المعروف صامويل هانتينغتون.