في مقالة سابقة قلت انك ضيعت فرصة العمر في أن تكون شخصية عالمية يذكرها التاريخ بالخير، ويسجل لها أنها قادت العالم إلى خيرات كثيرة، وجنبته ويلات وخيمة، وأخرجته من مدارك سحيقة، وقلت انك بدل ذلك اتخذت سياسات شوهاء وقرارات حمقاء، زادت العالم بؤساً على بؤسه وشقاء على شقائه، وذكرت ما أدت إليه قراراتك وحماقاتك من آثار مدمرة على أفغانستان وشعبه ومستقبله. المهم السيد الرئيس أن بلادك الإمبراطورية تواجه اليوم بسبب سياستك وزملائك من المحافظين الشياطين الجدد عزلة دولية، بل أصبح خوف الأميركيين من فقدان بلادك مكانتها بل وهيبتها على المستوى الدولي. لقد قمت باحتلال العراق يا مستر بوش وقامت أسلحتك الفتاكة باجتياحه وألحقت أضراراً بالغة بأرضه وعماره، وأزهقت أرواح الملايين من أبنائه، وزرعت البؤس في كل شبر من مساحته، والحزن في كل بيت من بيوته، فإذا معظم أفراد الشعب الذي ادعيت انك جئت لإنقاذه بين قتيل وجريح ومعوق ومشرد وخائف، فقد قتل من شعب العراق حوالي المليون ونصف المليون نفس، أزهقت أرواحهم أسلحتكم الذكية والغبية أيضاً، هذا عدا أضعافهم من الجرحى والمعوقين حتى لم يبق بيت في العراق إلا وفيه يتيم او أرملة او ثكلى. السيد بوش، انك تعلم علم اليقين أن أكثر من ثلث سكان بلاد الرافدين أصبح مهجراً إما داخل بلادهم أو خارجها بسبب حربك الظالمة على بلادهم، ففي سورية حوالى مليون ونصف مليون عراقي، وفي الأردن حوالي 800 ألف، وفي مصر أكثر من 600 ألف عراقي، ناهيك عن عراقيين آخرين هاجروا إلى دول أخرى، فما ذنب هؤلاء بالله عليك؟ ولم يقف الأمر عند ذلك بل زجت سلطاتكم في العراق الآلاف من أبناء الشعب العراقي في المعتقلات والسجون في ظروف اقل ما يقال عنها إنها لا إنسانية، فقد عمل جلادوكم على إذلال المعتقلين وسحق كرامتهم والإساءة إلى مقدساتهم وإنسانيتهم. وقد شاهد العالم الصور البشعة لما حدث في سجن أبي غريب والانتهاكات غير المسبوقة للسجناء في معسكر خليج غوانتانامو واستمرار الاعتقالات من دون توجيه أي اتهام، ما سيظل وصمة عار على جبين أميركا إلى يوم الدين. إن ثروات العراق الضخمة تنهب وتسرق أمام أعينكم وتحت حمايتكم، بينما يعيش الشعب العراقي الجوع وشظف العيش ومذلة السؤال، ويموت أطفاله نتيجة شرب الماء الملوث ومن المرض وانعدام الدواء. يا مستر بوش إن الحصيف لا يلدغ من جحر مرتين، ولكنك لدغت مرتين، ويظهر انك كنت على استعداد أن تلدغ مرات عدة لو استمر حكمك، فأنت لم تستفد من تجربة الغوص في مستنقع أفغانستان ومراراته، فدخلت رمال العراق المتحركة، وأدخلت فيها بلدك حتى قمة رأسه، وأعدت بلاد الرافدين إلى عصور الظلام، فأصبح شعبها يعيش عوزاً وفقراً وبؤساً بعد أن كان من أغنى الشعوب العربية، وقتلت آلة بلادك العسكرية أعداداً كبيرة من أهله. إن لدي قناعة يا مستر بوش بأن أهم ما يجب أن يتوافر في القائد - أي قائد وخصوصاً إذا كان رئيس دولة - أن تكون عنده قدرة عالية على قراءة الأحداث، أي أن يحسن توقع نتائج أي عمل يقوم به، ولكنك اثبت أنك تفقد هذه الموهبة المهمة، فقد توقعت أن يقابلك شعب العراق بالزهور والرياحين حين تغزو بلده، ولكنهم قابلوك بالمتفجرات وفتحوا على جنودك أبواب الجحيم. لقد عملتم يا مستر بوش بدأب على تقسيم العراق، إذ كان ذلك عن طريق القرارات الإدارية أو تأجيج النعرات القبلية والطائفية، وإذا كان التقسيم لم يرسم على خريطة العراق بعد إلا أنه نقش في واقعه نقشاً لا يمكن محوه أو إزالته، فهو إن لم يقسّم سياسياً بعد، فقد قُسّم فعلياً، حتى أصبح من الصعب جداً إن لم نقل من المستحيل أن يعود العراق بلداً واحداً بعد خروجكم منه، إن خرجتم. لقد أعدتم العراق مئات السنين إلى الوراء وجعلتموه بلداً بلا مستقبل وسلمتموه إلى ايران التي طالما حاولت اختراق ذلك البلد، ولكن باءت محاولاتها بالفشل حتى جاء عهدكم الميمون فقدمتموه لها لقمة هنيئة مريئة. والآن يا مستر بوش وأنت على مشارف نهاية فترة حكمك هل وقفت مع نفسك لتحاسبها؟ ألا تشعر انك ارتكبت جرماً لا يغتفر في حق شعوب لم تكن لها ناقة ولا جمل في تهديد أمن بلادك؟! أما آن لك أن تسحب جيوشك من العراق وتعتذر لشعبه عما ألحقته به من مآس وأضرار، وتعوض هذا الشعب ما لحقه ولحق بلاده من خسائر ودمار؟ إن مئات البلايين من أموال دافعي الضرائب في بلدك أنفقت على حربك الظالمة على العراق، فأكثر من 600 بليون دولار خرجت من خزانة بلادك لتنفق من أجل استمرار احتلال بلاد الرافدين، والحبل على الجرار، فتكلفة هذا الاحتلال الشهرية بحسب تقديراتكم الأميركية تبلغ 12 بليون دولار. ألا ترى أنه حري بك أن توجّه البلايين التي تنفقها على جنودك وأسلحتك الى إعادة بناء العراق والبنى التحتية فيه وإعادة تشييد ما دمرته حربكم الجائرة؟ لقد كنت تعتقد انك ستجني ثمار احتلال العراق الذي يملك احتياطاً نفطياً يبلغ 115 بليون برميل، وأنك ستوجه هذا النفط ليروي العطش الأميركي منه، وتسترد مئات البلايين التي أنفقتها من عائد ثروات نفط العراق. وإذا كانت شركات بلادك فازت بالفعل بمعظم عقود السيطرة على نفط العراق لعقود مقبلة، فإن هذا يعني ان العراق سيبقى لعقود طويلة تحت وطأة استغلال ثرواته وموارده حتى تسترد بلادك ما أنفقته على الحرب التي كانت أساساً من أجل عيون النفط وليس من أجل إنقاذ شعب العراق. وهذا يجعل الجيل الحاضر وأجيال المستقبل من شعب العراق تدفع ثمن شن حربك غير المشروعة على بلدها، فكيف تغمض لك عين وأنت ترى بأم عينيك فداحة الجرائم التي ارتكبتها ضد هذا البلد وأهله؟ إن أوضح الأمور يؤكد أن حربك على العراق وقبله أفغانستان جعلت اقتصاد بلادك ينغمس في اكبر كساد عرفه التاريخ منذ 1929، وزاد عجز الموازنة الأميركية زيادة كبيرة، فعندما دخلت البيت الأبيض كان عجز موازنة بلادك لا يتجاوز 5.5 تريليون دولار واليوم بلغ أكثر من 11 تريليوناً. لقد تضاعف بسبب حروبك وانصرافك إلى إدارتها ونسيان اقتصاد بلادك الداخلي، ما عرضه للهزات والنكسات الخطيرة المتتالية. إن المحصلة النهائية لهذه الحروب الدامية هو تراجع مكانة الإمبراطورية الأميركية، فقد أصيبت سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية بالتعثر والفشل ليس في العالم العربي والإسلامي فحسب بل لدى الشعوب الأخرى، وخير مثال على ذلك أنكم في معظم زياراتكم الرسمية وغير الرسمية لبعض دول أوروبا وهي أعز أصدقائكم قوبلتم بتظاهرات كبيرة تندد بسياستكم على المستوى الدولي حتى أصبحت بلادكم تواجه عزلة دولية غير مسبوقة، بل أصبح خوف شعبكم متزايداً من فقدان بلادك لمكانتها وهيبتها في العالم وهذا بيديكم لا بيدي عمر. أما بالنسبة إلى فلسطين الجريحة المغتصبة فقد زاد الأمر فيها سوءاً وزاد شعبها في عهد رئاستكم بؤساً على بؤسه. وما يؤكد وقوفكم ضد القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني رسالتكم أو وديعتكم إلى شارون في عام 2004، إذ وعدتم إسرائيل بحدود قابلة للدفاع عنها، مع عدم العودة إلى خطوط 1967 واعترافكم بالتغيرات الديموغرافية والجغرافية. إن سياسات إدارتك التي يقودها المحافظون الجدد فشلت فشلاً ذريعاً غير مسبوق في حلّ قضية العرب الأولى قضية فلسطين، بل وفي الشرق الأوسط لأن هذه السياسة قامت أصلاً على مبدأ الفوضى الخلاقة التي تبنيتها مع المحافظين الجدد! لقد قلت اخيراً يا سيد بوش: يحزنني ألا أكون الرئيس عند قيام فلسطين. وأردت أن توحي بقولك هذا للعالم بأنك وضعت الأسس لقيام الدولة الفلسطينية، وأنك حزين لأنك لن تجني ثمار ذلك في عهد رئاستك، وهو تضليل وكذب على نفسك وعلى الناس، فأنت منذ توليت الرئاسة كنت منحازاً الى إسرائيل، وكنت دوماً مع الباطل ضد الحق، وعانى الشعب الفلسطيني في عهدك ونتيجة دعمك العسكري والسياسي للكيان الصهيوني ما لم يعانه من قبل. أرجو أن تصمت وتوقف تصرفاتك الجوفاء عن فلسطين، فما عاد أحد يصدقك، لكن للأسف هناك ثلة خدعت وما زالت وستبقى مخدوعة بسياسات مثل سياستك تجاه قضايا العرب. * مفكر سعودي - رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية