ألقت واشنطن على بغداد مسؤولية تعطيل الاتفاق الأمني بينهما، وأعلنت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أنها ابلغت العراقيين ان الاتفاق أمر حاسم لمستقبل العلاقات بين البلدين، وأن المسودة التي قدمت إليهم هي العرض الأخير، في حين أكد وزير الدفاع روبرت غيتس بدء الاتصال بالكونغرس للوقوف على رأيه في صيغة الاتفاق، على رغم أنه لا يحتاج الى موافقتهم. الى ذلك، تصاعدت الأصوات الرافضة للاتفاق في بغداد، ففيما يستعد أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لتظاهرة"مليونية"للتنديد به، طالب قيادي بارز في"المجلس الأعلى"، بزعامة عبدالعزيز الحكيم بعرضه على الاستفتاء الشعبي بدلاً من إقراره في البرلمان. في هذه الأثناء، طالب زعماء مسيحيون بكشف نتائج التحقيق في تهجيرهم، فيما أعلن مسؤول كبير اعتقال"أربعة من العقول المدبرة للعملية". وأكدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تهجير نصف المسيحيين من الموصل. وعقد رئيس الجمهورية العراقي جلال طالباني ونائباه ورئيس الحكومة نوري المالكي ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني مساء أمس اجتماعاً ناقشوا خلاله بنود الاتفاق الأمني المزمع توقيعه مع واشنطن، قبل طرحه على المجلس السياسي للأمن الوطني الذي يضم زعماء الكتل السياسية مساء اليوم. وتوصلت الحكومة مع الجانب الأميركي الى مسودة نهائية تتضمن توقيتاً لانسحاب القوات نهاية عام 2011، يسبقه انسحاب من المدن منتصف العام المقبل، وحلولاً وسط للخلاف على صلاحياتها تنص على احالة الجنود الذين يرتكبون جرائم خارج معسكراتهم وخارج نطاق العمل على القضاء العراقي. ونقلت صحيفة"ذي ديلي تلغراف"البريطانية عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم ان رايس أبلغت العراقيين أن الاتفاق أمر حاسم لمستقبل العلاقات بين البلدين. وانه العرض الأخير الذي تريد الادارة تقديمه إليهم. وكانت رايس التي زارت بغداد الشهر الماضي اتصلت الخميس بنائب رئيس الجمهورية عادل عبدالمهدي في محاولة للضغط على القادة الشيعة الذين يبدو انهم أكثر تشدداً في رفض الاتفاق من نظرائهم السنّة والأكراد. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون أمس ان غيتس بدأ الاتصال بأعضاء الكونغرس لدعم الاتفاق، على رغم ان الإدارة لن تحتاج الى مصادقة الكونغرس عليه. بل تحتاج الى دعم سياسي لتمريره. والعقبات الأساسية في وجه الاتفاق ما زالت في العراق. وقال مقربون من مصادر القرار ل"الحياة"إن"اتجاهاً قوياً داخل الحكومة ما زال يرغب في تأجيل إبرامه الى ما بعد الانتخابات الأميركية، خصوصاً بعد تقدم المرشح الديموقراطي باراك اوباما الذي يمتلك خطة للانسحاب". الى ذلك، قال مساعد الصدر، حازم الأعرجي، للصحافيين أمس ان التيار الصدري أنهى استعداداته لتنظيم تظاهرة اليوم وصفها ب"المليونية"في شوارع بغداد، للتنديد بالاتفاق والمطالبة بالانسحاب الفوري للقوات الأميركية. ولم تعلق الحكومة، التي منعت قبل نحو ثلاثة أشهر مسيرة لأنصار الصدر، على انباء التظاهرة الجديدة، فيما توقع مراقبون ان يكون هؤلاء حصلوا على الضوء الأخضر لتنفيذها خصوصاً انهم لم يعلنوها خلال الاسبوع الماضي ولم ينشروا دعوة إليها من الصدر نفسه. وانضم الى الجبهة الشيعية الرافضة لتوقيع الاتفاق رجل الدين المقرب من"هيئة علماء المسلمين"جواد الخالصي الذي افتى بتحريمها بعد أيام من افتاء الهيئة بذلك، فيما عكست تصريحات لافتة لخطيب الجمعة في النجف القيادي البارز في"المجلس الإسلامي الاعلى"المقرب من ايران، صدر الدين القبانجي، موقفاً يعد الأكثر وضوحاً في رفض الاتفاق فطالب بعرضه على الشعب العراقي وعدم الاكتفاء بمصادقة البرلمان. وقال ان"البرلمان يمكن ان يمرره بغالبية نصف زائداً واحداً، فيما يحتاج الاتفاق الذي وصفه بأنه"بالغ الخطورة الى اجماع وطني". من جهة أخرى، أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أمس أن نحو نصف المسيحيين في الموصل، أي 1560 عائلة حوالي 9360 شخص فروا الأسبوع الماضي من المدينة. وقال الناطق باسم المفوضية رون ريدموند خلال مؤتمر صحافي في جنيف:"يمثل السكان النازحون نحو نصف المسيحيين في الموصل". وكانت أحزاب مسيحية حملت الأجهزة الأمنية مسؤولية تفاقم الأزمة واتهمتها بالتقصير، مطالبة بكشف نتائج التحقيقات التي اجرتها الحكومة"لبيان المتسببين بحركة الهجرة الجماعية". وأكد اللواء محمد العسكري، الناطق باسم وزارة الدفاع"اعتقال أربعة في الجانب الشمالي من الموصل"، مشيراً الى انهم"العقول المدبرة"التي تقف وراء استهداف المسيحيين. ورفض كشف المزيد. وذكرت تقارير اعلامية ان السلطات العراقية تستبعد ان تكون"القاعدة"أو المجموعات المتطرفة الاخرى متورطة في الاعتداءات على المسيحيين، مشيرة الى احتمال ان تكون"أطراف سياسية مشاركة في الحكومة"وراء ذلك.