دعانا تعقيد الأزمة وخطورتها الى مناشدة المسؤولين المبادرة الى عقد جمعية عمومية دولية مالية يوكل اليها بناء نظام مالي مشترك على غرار بريتون وودز، غداة الحرب الثانية. ففي 1944 ? 1945، في مؤتمر بريتون وودز الأول كان التحدي واضحاً: رعاية الإعمار والنمو بعد ثبات أسعار صرف العملات والعودة الى ضمان تحويلها تحت مراقبة صندوق النقد الدولي، وتحفيز النمو المصرف الدولي. ولا شك في حاجة العالم الى أسعار صرف أقل اضطراباً بين العملات الكبيرة التي تستعملها المبادلات الدولية، ولكن أسباباً اقتصادية ومالية وسياسية تحول دون بلوغ الغاية هذه قبل وقت طويل. فالداعي الملحّ، اليوم، انما هو الى ارساء النظام المصرفي والمالي الدولي على أسس متينة جديدة، على ما يقتضي حل الأزمة المالية الراهنة. وفضيلة اتفاقيات بريتون وودز مالية جديدة هي الإيذان بانطلاق جديد يطاول طبيعة علاقة صناعة المال بالاقتصاد الحقيقي على نحو ما يطاول موازين القوة الدولية الفعلية. وذلك من طريق دعوة العالم كله الى المناقشة والتداول، ويحسن بالمؤتمر المالي العالمي هذا الاضطلاع بمهمتين أساسيتين على وجه السرعة: الأولى صوغ عدد من التوصيات والمقترحات المتفرقة والمبعثرة في سياق متماسك ومترابط ? مثل تحسين عمل هيئات التصنيف المالي، وتوسيع دائرة التشريع الاستباقي، وتوحيد معايير المحاسبة الدولية، والاتفاق على قواعد عمل الصناديق السيادية، وتحسين مراقبة الهيئات المالية الداخلية والخارجية، وغيرها مثلها. ومعظم هذه المسائل يستدعي معالجة قانونية، على رغم أن بعضها قد تقتصر معالجته على تواضع حبي على معايير السلوك، وبعضها الآخر لا يدعو الى غير المراقبة الذاتية، ويترتب على السياق المتماسك والمترابط التذكير بأن تفادي الفوضى والأضرار المتفشية يقتضي العودة عن التسليم المفرط بطبيعة الأسواق الخيرة. والمهمة الأخرى هي تولي المؤتمر المقترح تعريف دور جديد لصندوق النقد الدولي، فقياساً على أنشطته التقليدية، خسر الصندوق زبائنه والمتعاملين المفترضين معه، فبعض هؤلاء أثرى من طفرة أسعار النفط، وبعضهم الآخر من أسعار السلع الغذائية. وهؤلاء كلهم سدّدوا ديونهم، وطاروا بأجنحتهم، لذا، على صندوق النقد الدولي الانصراف الى التوقع، والى رصد مبكر للأزمات المصرفية والمالية ذات الطبيعة النظامية الشاملة، والإسهام في تدبرها وإدارة حلولها. والمهمة هذه بالغة التعقيد. وقد يتهم من يقترح التصدي لها بالسذاجة. فاستباق وقوع الأزمات يؤدي غالباً الى تجنبها. وأما التنويه بإدارة مشتركة للأزمات فترد الى ضرورة تقاسم الحكومات والمصارف المركزية والصندوق العمل معاً، واحترام صلاحيات الأطراف كلها. وليس بيد صندوق النقد الدولي اليوم سلطة قانونية ورقابية، ولو ضئيلة، على البنية المصرفية والمالية. ويستحسن أن يقرّ له، في بعض المسائل الإطارية، مثل وكالات التصنيف والصناديق الاستثمارية، بصلاحيات من هذا الصنف. ويتوقع أن تقاوم الدول، باسم السيادة الوطنية، توسيع سلطات الصندوق وتجديدها. والحق أن سلطة التشريع والرقابة العليا لن تنفك بيد الدول الوطنية والسلطات الاتحادية مثل الاتحاد الأوروبي. وعلى أوروبا، في ضوء تاريخها وتراثها، أن تتقدم المعالجة المفضية الى حوكمة مصرفية ومالية عالمية، وهي اليوم ضحية اضطرابات تهب من ضفة الأطلسي الأخرى. ودور أوروبا راجح وحاسم في التوازن الاقتصادي العالمي الآتي. وعليها المبادرة الى مؤتمر بريتون وودز جديد، تخرج منه أمتن اتحاداً وأقوى دوراً. عن كريستيان دو بواسيي رئيس مجلس التحليل الاقتصادي وجان - إيرفيه لورونزي رئيس حلقة الاقتصاديين،"لوموند"الفرنسية، 8/10/2008