حسِب أصوليو السوق أن في مستطاع الأسواق الانتظام ذاتياً، إثر أزمة القروض العقارية. ولكن فقاعة الأزمة انفجرت انفجاراً مدوياً. فطوال ال25 عاماً الماضية، زرعت بذور هذه الأزمة، وأبيح اللجوء الى مختلف أنواع الأدوات المالية، ومنها مشتقات الأوراق والسندات والكفالات المالية. وعزيت بعض مظاهر الاختلال المالي الى الصدفة. ورجح تشجيع المصارف على زيادة حجم القروض وتخرج من الأزمات السابقة، كفة الاختلال المالي. وتعثر النظام المالي، على وقع اضطراب المصارف التجارية والمصارف الاستثمارية، وتراخي معايير وكالات التصنيف. ولا تقتصر آثار انفجار الفقاعة المدمرة على الولاياتالمتحدة وأوروبا، بل تتعداها الى البلدان النامية وروسيا. فهذه البلدان هي، اليوم، جزء من النظام العالمي. ونفخ انفجار فقاعة الرهون العقارية فقاعة المواد الأولية والسلع. فشارفت على الانفجار. وأفضى انخفاض قيمة الدولار وارتفاع الطلب على المواد الأولية، عوض العملات الأجنبية، الى بلوغ ذروة الانزلاق الى الأزمة الحالية، أي ارتفاع سعر برميل النفط الى عتبة ال 140 دولاراً على وقع المضاربات. ويبدو أن موجة ارتفاع سعر النفط تنحسر. وقد تنفجر بدورها فقاعة المواد الأولية. والحق أن واجب الحكومة الأميركية، الناظمة، هو إنقاذ النظام المالي من دون الوقوف عند الاعتبارات الأخلاقية. فإفلاس"ليمان براذرز"هو مثال على الضرر الذي يلحق بالنظام المالي جراء انهيار مؤسسة واحدة. وعندما يشارف النظام على الانهيار، لا مناص من تدخل الدولة، وضخها الأموال لإنقاذه. وهذا ما أدركه هنري بولسون، وزير الخزانة الأميركية. وهذه الأزمة ولدت من نقص في التشريعات. وعلى ناظمي السوق تحمل مسؤولياتهم، إثر فشلهم في الحؤول دون تضخم فقاعة الأسهم، وتهديد الفقاعة هذه سلامة النظام. واللجوء الى الجهات الناظمة هو شر لا غنى عنه، على رغم أنها من بشر مثلنا وقد تخطئ. ولا شك في أن حصة القطاع المالي من الاقتصاد تعدت الحجم المعقول والمقبول على حساب بقية القطاعات. ومن المتوقع أن يعود هذا القطاع الى حجمه الحقيقي بعد لملمة الأزمة. ولن يندثر هذا القطاع، على رغم ملكية الدولة حصة عظيمة منه، وعلى رغم زيادة تدخل السندات السيادية المرتبطة برؤوس الأموال الخاصة. وأنا أوافق المرشح الديموقراطي في دعوته الى ابرام"نيو ديل"اتفاق جديد لمواجهة الأزمة. ويجب زيادة العرض على الرهون والقروض العقارية، وكبح عملية حجز العقارات للحؤول دون بيع المالكين عقاراتهم، في انتظار ارتفاع الطلب. وعلى الدولة إعادة التفاوض على شروط تسديد القروض العقارية والرهون لتفادي طرد الناس من منازلها. وتنظر أوساط الأعمال بعين الريبة الى هذا النوع من الضوابط، وترى أنه يقوض مردودية الأعمال المالية. ولكنها، اليوم، لا تملك ترف الاختيار بين هذا الضرب من الضوابط وبين عدمها. وعلى الدولة الإسهام في تحفيز مصادر طلب جديدة من طريق إنشاء صناعة كبيرة تتولى امتصاص التلوث وآثاره، وتعالج الاحتباس الحراري. ويفترض تقليص حجم انبعاث غازات الكربون استثمارات كبيرة، وهي في مثابة عجلة تحرك الاقتصاد، وتحفزه في وقت تنخفض مستويات الاستهلاك. ولا شك في أن الأزمة المالية هي في صلب الانتخابات الأميركية. فالأميركيون يدركون، للمرة الأولى، أثر الأزمة المالية في حياتهم اليومية. وأرى ان الأزمة تصب في مصلحة أوباما الذي يؤيد تعديل قانون الإفلاس. عن جورج سوروس مدير"سوروس فاوند مانجمنت"ومؤسس شبكة التبرعات العالمية الإنسانية، "لونوفيل أوبسرفاتور"الفرنسية، 2-8/10/2008