قتل زعيم "حزب التحالف من أجل مستقبل النمسا" اليميني المتشدد يورغ هايدر، فجر أمس في حادث سيارة وقع جنوب كلاغنفورت عاصمة مقاطعة كارنثيا جنوب التي جعل منها معقلاً لسياسته الشعبوية. وأعلنت الشرطة أن جهود فرق الإسعاف لإنقاذ هايدر باءت بالفشل، إذ فارق السياسي المثير للجدل الحياة عقب الحادث بقليل بسبب تهشّم عموده الفقري وإصابته بجروح خطرة في الرأس والصدر. وأشارت إلى أنه فور انتهاء نشاط لحزبه انطلق بسيارته الى منزل والدته للاحتفال بعيد ميلادها ال90، لكنه فقد السيطرة على السيارة بسبب السرعة، فانحرفت عن الطريق العام وانقلبت به مراراً. وأعرب معظم القادة السياسيين عن تأثرهم البالغ. ووصف الرئيس النمسوي هاينز فيشر وفاة هايدر بالمأساة الإنسانية. فيما اعتبر الناطق باسم"حزب التحاف"شتيفاه بيتزنير أن وفاة زعيمه"نهاية للعالم وغياب للشمس عن سماء مقاطعة كارنثيا"التي حكمها هايدر مجدداً منذ عام 1999. ويأتي غياب هايدر 58 سنة بعدما حقق حزبه الذي يمثل اليمين المتشدد تقدماً ملحوظاً وحصل على 10 في المئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجريت في 28 أيلول سبتمبر الماضي، على رغم انشقاقه عن حزب"الحرية"المتطرف وتأسيسه"التحالف من أجل مستقبل النمسا"عام 2005، مبدياً قوة إقناع ثابتة بلهجة أقل عنفاً. اذ تخلّى في حملاته الانتخابية عن تصريحاته المثيرة والمعادية لأجانب، مركّزاً على مكافحة البطالة وغلاء المعيشة والامتيازات والفساد. ويُعدّ هايدر من أشهر السياسيين النمسويين الذين طبعوا فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهو انخرط في السياسة منذ مطلع شبابه، وأصبح أصغر عضو في البرلمان. ورسخ مفاهيم اليمين لدى ناخبيه منذ بدأ صعوده من خلال حزب"الحرية"الذي تزعمه عام 1986. وواكب مسيرته السياسية جدال واسع لما اتسمت به حملاته من شعارات متطرفة وانتقادات للحكومة ومقارنتها بالعهد النازي، إذ أشاد بالسياسات العمالية ل"الرايخ الثالث"ووصف معسكرات الاعتقال النازية بأنها معسكرات"تأديبية". ومع ترجمة تصريحات هايدر بأنها"معادية للسامية"، جوبه انضمام حزبه الى التشكيلة الحكومية بزعامة المستشار المحافظ فولفغانغ شوسل عام 2000 بموجة تنديد محلية ودولية واسعة. ونظراً الى ازدياد المخاوف من تنامي نفوذ التيار اليميني، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جزئية على النمسا. كما تسبب هايدر في توتير العلاقات مع اسرائيل، إذ تلاسن مرات مع رئيس الجالية اليهودية في النمسا آرييل موزيكانت وشتم رئيس الوزراء السابق آرييل شارون معرباً عن استغرابه إطلاق اسم"آريل"، وهو مسحوق للغسيل، على"أشخاص بهذه القذارة". وفي عام 2000 أيضاً، قررت تل أبيب تجميد علاقاتها الديبلوماسية مع النمسا وسحبت سفيرها من فيينا، ولم تعد العلاقات الى طبيعتها إلا بعد ثلاث سنوات ونصف السنة، إثر تقديم فيينا اعتذاراً رسمياً وتدخّل وسطاء بين الدولتين. في المقابل، عُرف هايدر بأنه صديق للعرب على رغم ما كان يشنّه من حملات داخلية ضد تنامي أعداد المسلمين والمهاجرين العرب إلى النمسا ودعواته الى تقليص حقوقهم. وعرف بصداقته الشخصية مع سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي معمّر القذافي، ومع الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي زاره في بغداد عام 2002 خلال فترة الحصار على العراق. وألّف كتاباً عن هذه الزيارة. ولم يعرب هايدر متزوج وله ابنتان أبداً عن أسفه لما صدر عنه من تصريحات متطرفة. كما لم يتراجع عن تأييده للنازية. وتعرّض الأسبوع الماضي لانتقاد من المفوضية العليا للاجئين لأنه أمر باحتجاز طالبي لجوء في مركز معزول في جبال الألب. وعلى رغم عدم تسلّم هايدر منصباً وزارياً في الائتلاف الذي شكله حزب"الحرية"مع حزب"الشعب"المحافظ عام 2000 أو بعده، يجمع المراقبون على أنه السياسي الأكثر شهرة في النمسا وخارجها، والشخص الذي جعل بلاده تتصدر صفحات الصحف العالمية لسنوات.