قانون الانتخاب اللبناني استرعى قبل إقراره انتباه المجلس النسائي اللبناني، فأسرع وفد منه الى لقاء رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة مذكراً بإصراره على الكوتا النسائية النيابية، وهي 10 في المئة أي ما يوازي 13 نائبة موزعة على المحافظات كلها. قانونياً وحقوقياً، إذا ما اعتبرنا ان الدستور اللبناني يميز بين المواطنين اللبنانيين في أمور شتى، لكنه لا يميز بين الرجال والنساء! وشرعة حقوق الإنسان التي ترفض بجوهرها التمييز بين البشر على أساس اللون أو العرق أو الجنس، لذلك يحق للنساء اللبنانيات الدخول الى البرلمان اللبناني، كما يحق لهن وفق المنطق العلمي والمهني تولي مهمات سياسية، فلسن قاصرات عن فهم الفلسفات والنظريات السياسية، واستيعاب التجارب الإنسانية في هذا المجال، ولسن عاجزات أيضاً عن استيعاب العلوم التي يستلزمها الاشتغال بالسياسة، بوصفها أصلاً ادارة الشأن العام، كالتخصص في العلوم الاقتصادية والمالية والإدارية والتربوية والطبية والهندسية والبيئية. فالاشتغال بالسياسة مهنة ولو لم يقر بذلك القادة السياسيون الذين يحيونها كمجرد مجال للصراع والغلبة والنفوذ والمهابة. مبدئياً لا شيء يبرر اذاً إقصاء النساء المستمر عن المشاركة السياسية، وإدارة المجتمعات التي تضم نساءً ورجالاً، وتقرير وتنفيذ ما يتعلق بالنوعين معاً، فلا يستمر الرجال في التقرير والنساء في التنفيذ، وطالما ان النساء يعشن، قانونياً، مواطنات ينتجن ويخضعن للقوانين ويدفعن الضرائب. في اواخر القرن التاسع، وأثناء تشكيل بنيان السلطة والقوانين بعد الثورة الفرنسية، طالبت الفرنسية أولمب دو غوج بمشاركة النساء في الحكم، لمجرد كونهن يدفعن الضرائب، كمواطنيهم الذكور. كان الأمر مفهوماً لما لم تكن النساء قد دخلن بعد عالم المعرفة والأعمال والوظائف، لما كن مخدرات، من خِدر، ولما كانت الغالبية العظمى منهن أميات، وكانت وسائل الإعلام الجماهيري مقتصرة على الإذاعة والصحف، ولم تكن هنالك وسائل إعلام جماهيري بالمرة، فهذه الوسائل تولد وعياً نسبياً بالحياة العامة، لا تنجح استراتيجيات التزييف بتشويهه بالكامل. عملياً، النساء اللبنانيات مقصيات عن المجال السياسي العام، ومن وصلت منهن الى قاعة البرلمان، جاءت بالإنابة عن ذكر، جاءت نائبة عن نائب، وقد تنسحب هاته النساء في أي لحظة لأجل من ينبن عنه. ولن تنسحب من اتقنت فن التعبير الحرفي عمن تنوب عنه، هن يعبرن، عن سياسات ومصالح اختطها الرجال ومن لم تجيء منهن بدلاً من ضائع، جاءت من أجل تلطيف الأجواء الذكرية وتمرير السياسات العليا الذكرية بصوت ووجه انثويين، والوقائع تثبت تعذر وصولهن الى سدة القرار السياسي بترشحهن مستقلات. للفوز بمنصب نائب، ترشحت ذات يوم نساء كفوءات كلور مغيزل وليندا مطر وفشلن، كان فشلهن متوقعاً، كما هو متوقع فشل كل مرشح، سواء كان ذكراً أم أنثى، يخرج عن النظام القائم، فالنظام اللبناني صعب الاختراق، لأنه مجيَّر لقوى معينة، وشبه مؤجر لها، فكل فئة حاكمة في الطوائف تملك ميراثاً سياسياً ووجدانياً راسخاً، معززاً بدعم خارجي ومالي وسياسي وأحياناً عسكري، وهي فوق ذلك تقدم نفسها كقوة حمائية لجماهيرها، تحميهم في مواجهة الطوائف الأخرى، وتتقن فن تحصيل حصصهم في عطاءات الدولة التي تتحول الى صندوق دعم لسلطانهم، ولكي تبرر، هذه الفئات، سلطتها، القائمة على الناس والدولة في آن، تستخدم الانتخابات النيابية لشرعنة ما هو قائم. ولدى هذه الأحزاب كل الموارد اللازمة للفوز بالانتخابات النيابية، فأحزابها هي أيضاً أو أصلاً ماكينات انتخابية! يتعذر اذاً على النساء المستقلات كما على الرجال المستقلين، اختراق القلاع السياسية الطائفية، وتعاني النساء من صعوبة إضافية، وهي اختراق الذهنية الشعبية السائدة التي لا زالت لا تُقر تماماً بقدرة النساء على التقرير والتنفيذ، إلا إذا كنّ بديلاً من ذكر، وأدرجن في لوائح وأحزاب"يفتي"فيها الرجال. وبالمحصلة، وطالما توجد عوائق لولوج النساء عالم السياسة، المؤهلات له، علمياً ونقدياً، وطالما ان التنافس بين الذكور على أشده، والمتهافتون على المقاعد النيابية كثر، يحق للنساء المطالبة بپ"كوتا"الزامية، فالحقوق المتحصلة نظرياً، والمكتسبة عملياً عبر التاريخ، لم تتحقق عفو الخاطر، بل انتزعت. يحق للنساء"بكوتا"الزامية، طالما ان الرجال يمارسون، هم أنفسهم السلطة، عبر كوتا ضمنية، شفهية، مضمرة، ودائمة. لكن هذه المرافعة عن حق المرأة اللبنانية في النيابة عن اللبنانيين واللبنانيات، والتحدث باسمهم، يا لروعة هذه الفكرة، ستفقد بعضاً من زخمها ووهجها، إذا قسناها بحقوق المرأة المهدورة الأخرى، وإذا تأملنا جدواها السياسية في ظل النظام السياسي القائم وفي ظل غياب توجهات سياسية مختلفة، استثنائية، تشهرها النساء وهي متوقعة منهن، لخصوصية تجاربهن، كونهن يطالبن بها كنساء، مما يفترض أنهن محملات بمهمات خاصة. إذا انطلقنا من مبدأي تكافؤ الفرص بين الجنسين من دون تمييز جندري، نوعي، فكل المحاججات المنبثقة من هذا المبدأ ستعود لمصلحة المرأة، ولكن، إذا طرحنا الموضوع لناحية انعكاسه على واقع النساء ككل، ودوره في تحقيق كسب نوعي وضروري لهن، سنرى أنه لا يكفي للراغبات بمشاركة سياسية تقريرية للنساء، الاستناد الى مبدأ المساواة الأخلاقي كي يستقوين ويقنعن ويؤثرن، فهذا المبدأ غائب عن مناحٍ كثيرة من حياة المرأة، لأن المرأة اللبنانية تعاني من مظالم قانونية شتى، تجعل من النساء اللبنانيات في موقع دوني بدءاً من القوانين المدنية، كقانوني العقوبات وجرائم الشرف والزنى وغيرها، وقانون التوظيف، الذي يمنح الموظف امتيازات لا تحوز عليها النساء، وقانون الجنسية الذي لا يتيح للمرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي، خلافاً للرجل اللبناني المتزوج من أجنبية، حق منح أولادها جنسيتها، وصولاً الى القوانين الأكثر تأثيراً وخطورة، خصوصاً لدى الطوائف الإسلامية، والتي أثبتت على التراتب، وعلى حق الرجل بالتحكم بالحياة الزوجية، كحق الطلاق، وتعدد الزوجات، وحضانة الأولاد ما عدا في السنين الأولى وحق الجد والعم في مشاركة الأم في الوصاية على الأولاد في حال وفاة الزوج والاستئثار بالحصة الكبرى من الميراث. هذه القوانين التي نادراً ما تنجو من مفاعيلها السلبية العائلات اللبنانية المسلمة تنسف مبدأ المساواة في الحياة الشخصية، لدرجة ان المساواة في الحياة الخارجية والعامة لا تكفي أحياناً لردم الهوة وبلسمة الجراح. عدا عن أشكال التمييز الكامنة في الذهنيات والتي تؤول الى اللامساواة في القيمة الإنسانية بين الذكور والإناثة ونجد إحدى تمظهراتها في استمرار العائلة في الإنجاب حتى ينجبن ذكراً، وفي اعتبار البنت، في بيئات معينة، مصدر قلق وعار دائمين، وكائناً يجوز قتله بأعذار مخففة، يكفي أن يقرر الذكر، ومن تلقاء نفسه، ان حياة هذا الكائن الأنثوي نافلة وغير ضرورية، لمجرد أنه أصبح موضوع شكه حتى يتم الإجهاز عليه. لن يزيل وصول بعض السيدات، 13 نائبة، أو حتى مئة، من حدة الاضطهادات التي تنال من كرامات النساء، ومعركة المساواة الحقيقية تخاض في هذه المواضع، إلا إذا كانت حفنة محدودة جداً من النساء تطالب بمساواتهن بالرجل، ولا يعنيهن مصير الأخريات، فلسن مسؤولات عن الأمة بعددها وعديدها، ولكننا، للمفارقة، أمام المجلس النسائي اللبناني، ما هي مسؤوليات هذا المجلس العامة؟ لماذا أنشئ؟ هل تتعهد النساء الطامحات الى السلطة إزالة كل أشكال التمييز ضد النساء وفي كل الحقول؟ هل نحلم؟ من جهة أخرى، يحق للمواطن اللبناني، ذكراً أو أنثى، أن يتساءل عن جدوى ومردودية وصول النساء الى سدة البرلمان. ففي هذا الميدان، تتقدم قيمة وكيفية الأداء السياسي على كل ما عداها من عناصر شخص النائب، فالفعل السياسي يطاول حياة كل مواطن لبناني، وقد يؤثر في مصيره تماماً، وفي نوعية حياته، لا يعنينا مثلاً اطلاقاً، جنس من يتخذ قرار الحرب والسلم، الحياة أو الموت، القرار هو الأهم، وخسارة النساء 13 مقعداً نيابياً أو وظيفة، لن يغير من منسوب بطالة النساء. وكل مجالات العمل مفتوحة أمام النساء، وإذا دققنا قد نجد انها نادراً ما تشغل منصب مدير عام في إدارات الدولة. لماذا لا تسلط الأضواء على هذه النقطةّ! أم ان شغف السلطة السياسية العلوية لم تبرأ منه النساء أيضاً. نتحدث عن الجدوى، أية جدوى إضافية ستأتي بها النساء اللواتي، بحكم التركيبة الانتخابية، سيلتحقن بالتشكيلات السياسية الانتخابية القائمة، سينضممن الى اللوائح الانتخابية التقليدية، ستنضم الى قائمة النواب المدافعين عن سياسات أولياء نعمتهم، سيصبحن ناطقات بإسم زعيمهن، سيُشكل مثالهن الأعلى للحكم. ايقونتهن، سيكررن على الأرجح ما يقوله الذكور برداءة ربما إضافية... وسنجد، حين تُفرض شخصيات نسائية على مجموع التكوينات السياسية الحالية، نساء يدافعن عن حق القتل والخطف واقتناء الصواريخ، وعن استباحة الأرض اللبنانية وحياة اللبنانيين، وسنجد من تدافع منهن عن مقتضيات الانفتاح الاقتصادي وإملاءات المنظمات النيوليبرالية العالمية، وعن النظام الضريبي وعن رجال أعمال يشتغلون في السياسة خالطين بين العام والخاص، وفي الحالين عن تاريخ سياسات الكتل السياسية التي ستوجد فجأة فيها، من دون أن تشارك في قراراتها. إذاً لا نتوقع، نظراً الى طبيعة النظام الحالي ولهوية التكوينات السياسية القائمة، مردودية خاصة لتدخل النساء اللبنانيات في القرار السياسي العام، إلا إذا افترضنا ان النساء، الطامحات الى المشاركة، سيشكلن جبهة سياسية خاصة بهن، ويحملن برنامجاً سياسياً مختلفاً، انسانوياً، يعبرن فيه عن نضارة تجاربهن الاجتماعية وعن أوجاعهن كنساء ومواطنات، تلك التي لم تلوثها وحول السياسة اللبنانية، لم نسمع به ولا بهن. حبذا لو يحدث ذلك ولو بقوة الكوتا. * كاتبة لبنانية