إن التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين في هذا التوقيت وفي ظل المعطيات الاستيطانية الجديدة في القدس، وفي ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، يترك ظلالاً سلبية على مسار التفاوض والقضية، منها: إن التفاوض تحت الحراب وبالأمر الواقع، يضع المفاوض الفلسطيني الأعزل والضعيف، تحت الضغط الإسرائيلي المباشر، كما يُشغله عن المسائل الجوهرية الدائمة بالمسائل الظرفية القائمة. فبدلاً من تفرّغ المفاوض الفلسطيني للبحث في مسألة القدس، واللاجئين، والدولة، والسيادة، والمياه، سيجد نفسه منشغلاً بالمطالبة بوقف الاستيطان الجديد، ووقف الاعتداءات العسكرية، ورفع الحواجز، لأنه لا يعقل أن ينجح المفاوض الفلسطيني في إقناع شعبه بحيوية وأهمية المفاوضات لاستعادة القدس والأرض والحقوق، في وقت يعجز عن رفع حاجز هنا أو هناك، أو عن إدخال الأدوية والمواد الإنسانية إلى غزة المحاصرة. الشروع بالمفاوضات قبل توقف الاستيطان في القدس، قد يفضي فلسطينياً الى قبول الأمر الواقع هناك"فالتفاوض في ظل هذه المعطيات، يعني القبول مبدئياً - بحكم الواقع - بتحلل الطرف الإسرائيلي من استحقاقات خارطة الطريق التي تفرض عليه وقف الاستيطان، وبالتالي إفساح المجال للاحتلال لفرض المزيد من وقائع التهويد لمعالم القدس الجغرافية والديموغرافية. التفاوض بهذا الشكل يؤدي إلى إغراء الاحتلال بارتكابه المزيد من الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، لأنه لا يدفع الثمن في المقابل"فإذا كان الفلسطينيون مكشوفين أمام الدبابة الإسرائيلية، فالتفاوض بهذه الطريقة سيكشفهم سياسياً، وكأن لسان حال المفاوض الفلسطيني يقول: إن ما يجري من انتهاكات إسرائيلية في الضفة والقطاع لا يساوي أهمية تعليق التفاوض ولو موقتاً لأن الأمر لا يعدو كونه مجرد خطأ هنا أو هناك، وهذا ما شجع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت في اليوم الأول لانطلاق المفاوضات 12/12 على الإعلان عن تعهده باستمرار العمليات العسكرية ضد غزة حتى"زوال خطر صواريخ القسام". كان من المتوقع أن يرد المفاوض الفلسطيني بتعليق المفاوضات إلى أن يلتزم الاحتلال بما ألزم به نفسه في انابوليس من وقف فوري للاستيطان وفقاً لخارطة الطريق، ووقف انتهاكاته المستمرة ضد الفلسطينيين، لأنه لا يعقل أن يكون الالتزام الأمني من الطرف الفلسطيني أولاً وثانياً، فضلاً عن أن المقاومة الفلسطينية هي رد فعل على وجود الاحتلال الذي يحاول أن يبدو بمظهر المدافع عن نفسه أمام"الإرهاب"الفلسطيني، في محاولة منه لقلب الحقائق. ومن هنا فإن تعليق المفاوضات هو حنكة فلسطينية مطلوبة لإشعار الاحتلال والأميركيين بخطورة الموقف، مستغلين في ذلك حاجة الطرف الآخر واشنطن وتل ابيب لاستمرار المفاوضات وإن كان لأغراض خاصة تتعلق بكل منهما. اننا أمام انحراف في مسار التفاوض ناتج عن وجود خلل فلسطيني، نابع من سوء الإدارة للمفاوضات، ومن اختزال الخيارات السياسية في التفاوض فقط ولمجرد التفاوض أحياناً، ونابع أيضاً من استمرار الانقسام الداخلي الذي يضعف المفاوض الفلسطيني ويهدد مستقبل القضية، في الوقت الذي يقبل فيه الرئيس عباس والعرب بثنائية المفاوضات تماشياً مع رغبة اسرائيلية انعكست في البيان الختامي لأنابوليس، وأكدتها وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني 5/12 عندما دعت الاتحاد الأوروبي إلى الاكتفاء بدعم عملية السلام من دون السعي إلى إملاء نتائجها، وعندما أكدت خلال لقائها نظيرها السلوفيني ديمتري أن المفاوضات بعد أنابوليس هي"عملية ثنائية لا تحتاج إلى طرف ثالث". أي أن القضية الفلسطينية يراد لها أن تصبح في ذمة إسرائيل ورؤيتها السياسية للحل، بدلاً عن المرجعية العربية والشرعية الدولية. أحمد الحيلة - بريد الكتروني