لن تكون هذه السنة أفضل من سابقتها بالنسبة الى المصريين، ويلف الغموض موقف الحكومة، فيما المواطن لا حول له ولا قوة. ومن أبرز الملفات المطروحة، سوق الإسمنت التي باتت شبحاً بعد سيطرة كل من"لافارج"الفرنسية و"سيمنت"الإيطالية نهاية العام الماضي، على حصة 62 في المئة من السوق، وذلك بعد بيع"أوراسكوم"للإنشاء والصناعة قطاع الإسمنت التابع لها إلى الشركة الفرنسية ب 12.8 بليون دولار. ما جعل الأنظار تتجه إلى القطاع مع بداية السنة، باعتبار أن"أوراسكوم"للإنشاء كانت تتحكم بنحو 25 في المئة من السوق، تُضاف إلى 5 في المئة حصة "لافارج"السابقة، ما يعني أن الشركة الفرنسية باتت تتحكم ب 31 في المئة تقريباً في مقابل النسبة ذاتها ل"سيمنت"الإيطالية. وأوضح رئيس هيئة التنمية الصناعية عمرو عسل، أن وزارة التجارة والصناعة وهيئاتها المعنية"تراقب السوق بحكمة سعياً الى استكشاف أثر صفقة"لافارج"على الإسمنت لإقرار خطة تحمي المستهلك من تحكم الاحتكار في السوق". وطلب مهلة ل"اتخاذ القرار الصحيح". فيما أكد مصدر اقتصادي بارز أن"لا داعي للقلق الشعبي من نسبة الأجانب الكبيرة، طالما تسيطر الدولة على 25 في المئة من السوق". وفي الوقت ذاته، استمرت الأسعار في الارتفاع ووصل سعر الطن للمستهلك أول من أمس الى 410 جنيهات 74.5 دولار، بزيادة 40 جنيهاً مرة واحدة، نتيجة ارتفاع أسعار المازوت الذي يمثل 10 في المئة من تكلفة الانتاج. ويُضيف ذلك عبئاً جديداً على المواطن الذي يُفترض أن يشتري الطن ب 340 جنيهاً 62 دولاراً لتقع السوق بين سيطرة الأجانب وزيادة الأسعار. ويبلغ إنتاج مصر من الإسمنت نحو 37 مليون طن سنوياً، بينما يبلغ حجم الاستهلاك 29 مليوناً، ما يعني أن الإنتاج حقق فائضاً بلغت نسبته 17 في المئة. وأكدت دراسات أعدتها وزارة التجارة والصناعة أن هناك"فائضاً ب 8 ملايين طن بين الإنتاج والاستهلاك، في ظل توقعات ببلوغ حاجات البلاد نحو 55 مليون طن عام 2011 ، في اشارة إلى أن المصانع الجديدة 13 مصنعاً ستضيف طاقة 21 مليون طن باستثمارات تقدر بنحو 21 بليون جنيه 3.8 بليون دولار. ونفت الحكومة أن يكون سبب إقبال المستثمرين الأجانب على بناء مصانع الإسمنت في مصر وهروبها من أوروبا التلوّث البيئي، لأن كل مصانع الإسمنت في البلاد مبنية وفق معايير البيئة. واهتمت تقارير رسمية بوضع السوق، أهمها ما صدر أخيراً عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، واعتبر ان ارتفاع الأسعار بات ظاهرة خطيرة، بعدما شهدت السوق في الفترة الأخيرة قفزات شديدة لدرجة أن الحكومة في محاولة لحفظ ماء الوجه، ألغت الجمارك على واردات الأسمنت في محاولة للسيطرة على ارتفاع الأسعار. سيطرة أجنبية وعزا التقرير الزيادة الأخيرة في الأسعار إلى سيطرة عدد من الشركات الأجنبية على السوق، ووجود اتفاق شبه احتكاري بينها لرفع الأسعار، في اشارة إلى أن متوسط تكلفة إنتاج الطن من بين متوسطات أكبر ثلاث شركات كبرى، هي السويس والمصرية والقومية نحو 182 جنيهاً 33 دولاراً، بعد الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود. في حين يباع الطن بأسعار وصلت إلى 410 جنيهات، أي أن المنتج يحقق هامش ربح كبيراً في الطن الواحد، ما يؤكد وجود اتفاق احتكاري بين الشركات المنتجة لرفع الأسعار. والأهم من ذلك، كما لفت التقرير، أن ذلك يحدث في مصر، التي تتمتع بميزات نسبية عن بقية دول العالم المنتجة للإسمنت، إذ ينخفض متوسط أجر العامل، اضافة الى انخفاض أسعار مصادر الطاقة المستخدمة مقارنة ببقية الدول، خصوصاً الغاز الطبيعي والمازوت والكهرباء. وتمثل هذه المصادر 24 في المئة من تكلفة إنتاج الأسمنت الإجمالية، ولا تزال مصادر هذه الطاقة مدعومة من الدولة بنحو 5.9 بليون جنيه. خطورة الوضع الراهن وحذر التقرير من خطورة استمرار الوضع الراهن لسوق الأسمنت في البلاد، في ظل السيناريو الحكومي القائم على رفع أسعار الغاز والماوزت ارتفع سعره أول من أمس والكهرباء إلى مستوى التكلفة الحقيقية، أي إلغاء الدعم كلياً، ويعني ذلك تجاوز أسعار هذه السلعة الخطوط الحمر. فإذا كان المنتج يحقق هامش ربح بنحو مئتي جنيه 36 دولاراً في الطن، في وقت تستمر مصادر الطاقة مدعومة، فماذا سيكون الوضع في حال إلغاء الدعم؟ وأفادت دراسات مبدئية أن ارتفاع أسعار الغاز يؤدي إلى رفع سعر تكلفة الإنتاج 17 في المئة، والماوزت 9.13 في المئة، والكهرباء 6.2 في المئة، في مقابل خفض العبء على الموازنة العامة للدولة بحوالى 400 مليون دولار فقط، لكن في الحالين سيتحمل المستهلك والسوق كل التداعيات السلبية. وعن هيكل صناعة الإسمنت، أشار التقرير الى أن عدد الشركات المنتجة 12 ، يملك القطاع الخاص منها 11 ، بينما هناك شركة واحدة فقط هي"القومية للإسمنت"تابعة لقطاع أعمال عام. ولفت إلى ارتفاع معدلات الإنتاج السنوي من 24 مليون طن في 2000 إلى 28 مليونًا عام 2005 ، ثم 37 مليون طن في 2007 . ونفى تاجر إسمنت مسؤولية التجار في ارتفاع الأسعار لأن المصانع تبيع بأسعار مرتفعة كل فترة. وعزا السبب في البداية إلى أن معظم مصانع الإسمنت"بات تابعاً للقطاع الخاص، ويبحث أصحابها عن المكسب بعيداً من المصلحة العامة. واعتبر تاجر آخر أن الأسعار"زادت مبكراً على عكس ما كان متوقعاً، إذ كانت ترتفع سنوياً لدى عودة العاملين في الخارج، ولكن المصانع رفعت الأسعار بشكل مفاجئ، إضافة إلى تغيير سياستها مع التجار". ورأى أن قرارات الحكومة برفع دعم الطاقة عن مصانع الإسمنت وزيادة رسوم التصدير،"ستشعل أسعار الإسمنت بنسبة كبيرة جداً".