هل يساهم فندق "فورسيزونز سان ستيفانو" في أن يعيد المكانة العالمية المرموقة ثقافياً وحضارياً وانسانياً التي كانت تتمتع بها الاسكندرية عندما كانت ثاني أهم العواصم في العالم القديم بعد روما؟ يتوق مدير عام الفندق ستيفان كيلينغر إلى أن يتحقق ذلك، وهو عاشق للمدينة الجميلة التي تعرضت للحرمان والإهمال لفترات طويلة. ويأمل في حديث خاص ل"الحياة"على هامش زيارة وفد إعلامي عربي وأجنبي للاسكندرية بدعوة من الفندق أن يلعب هذا الثغر العالمي دوراً مرموقاً من جديد في تعزيز الحضارة والتفاهم في العالم. ويقول كيلينغر إن المدينة التي تعتبر لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط والتي بناها الاسكندر الأكبر كانت في حاجة ماسة إلى مثل هذا الفندق الفاخر الذي يعتبر الأكبر حالياً فيها، وذلك من أجل جذب المزيد من السياح والزائرين من مختلف دول العالم. وتم افتتاح الفندق منذ أربعة أشهر فقط، وهو الأول في سلسلة فنادق"فورسيزونز"على ساحل البحر الابيض المتوسط والرابع في مصر. ولدى وصولك إلى المدينة تطالعك لافتة عريضة تقول باعتزاز:"مرحباً بك في الاسكندرية منارة الحضارة والتاريخ". وقد لمست مدى تحمس مدير عام الفندق لتاريخ المدينة من خلال استرجاعه على نحو متعمد لعصور ازدهارها عبر التاريخ بحيث كانت حاضنة الدنيا وثغرها الساحر الذي يعكس طابعها العالمي منذ العصر الروماني وقبل ذلك الفرعوني ومن ثم العربي والإسلامي بعد ذلك. وتحتاج المدينة لمزيد من الخدمات والتطوير، حيث يلمس الزائر ذلك من أجل إعادة الرونق والجمال والتحديث إلى مبانيها وشوارعها التي أصبحت ضيقة وزحامها الشديد وتكدس السيارات فيها ليل نهار. وعلى رغم بعض الاصلاحات الجذرية التي شهدتها الاسكندرية خلال الفترة الأخيرة، مثل تحديث كورنيشها الذي يحتضنها ويحمل مع مياهها الزرقاء أعمق الأسرار وعمق التاريخ، إلا أن مباني المدينة اصبحت كالحة وتحتاج إلى مسحة جمالية تعيد إليها بريقها ولونها الأبيض المميز الذي يجعلك تشعر وكأنك في جنوبفرنسا أو ايطاليا. ويقول مدير عام الفندق إن الاسكندرية مدينة تعيشها في خيالك وتثير اعجاب زوارها من خلال رموزها التاريخية والثقافية، فقد كانت تضم إحدى عجائب الدنيا السبع، وكذلك مكتبة الاسكندرية القديمة التي كانت مفخرة العالم كله وكانت تضم أيضاً أول متحف في العالم، وكذلك فإنها أول مدينة اقيمت فيها دار عرض سينمائي في مصر، ثم فيها انتاج أول فيلم مصري. ويقول البروفسور محمد عوض، استاذ الهندسة المعمارية في جامعة الاسكندرية، في محاضرة ألقاها أمام الوفد الإعلامي الزائر للفندق، إن الاسكندرية التي كانت عاصمة وواجهة لمصر والعالم القديم، هي كما كان يقول الروائي المصري العالمي الراحل نجيب محفوظ"مدينة أوروبية تملكها في ما بعد المصريون". وعاش في الاسكندرية أدباء عالميون مرموقون مثل قسطنطين كفافي المصري، اليوناني الأصل، الذي ولد فيها وأمضى جانباً من طفولته في انكلترا. وهو يعتبر من بين أعظم الشعراء في القرن العشرين وتغنى بالمدينة مستوحياً تاريخها القديم والحديث. وهناك أيضاً إي. ام. فورستر، الروائي البريطاني الراحل، الذي قام بتأليف كتاب يعتبر من أفضل الأعمال الأدبية عن فن الرحلات. وأقام في الاسكندرية وعشقها، أيضاً الروائي البريطاني لورانس داريل الذي رصد في رائعته"رباعيات الاسكندرية"نبض المدينة ورومانسيتها الممزوجة بالواقعية والاصالة. نظم الفندق برعاية واهتمام خاص من مديرة العلاقات العامة فيه سارة إبراهيم، برنامجاً ثقافياً حافلاً للوفد الإعلامي تضمن زيارات لمعالم ثقافية وحضارية وأثرية في المدينة، ومن بينها زيارة للمسرح الروماني القديم الذي يقع في حي كوم الدكة ويضم آثاراً بارزة ويرجع تاريخه إلى القرن الثاني بعد الميلاد، وهو يقع وسط الاسكندرية. وشمل البرنامج أيضاً زيارة لعمود بومبي الذي يعتبر أطول الآثار القديمة في المدينة وهو يرتفع لنحو 30 متراً. وقام الوفد أيضاً بزيارة للمتحف الوطني الذي يضم نحو 1888 قطعة أثرية تروي تاريخ الاسكندرية عبر العصور المختلفة بما في ذلك العصر الفرعوني واليوناني والروماني وكذلك القبطي والإسلامي. ومن بين المعالم الأخرى البارزة في الاسكندرية قلعة قايتباي التي كانت تعتبر من أهم الحصون الدفاعية على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وكان يقع هناك في الماضي أثر عالمي بارز هو الفنارة القديمة الفرعونية التي كانت من بين عجائب الدنيا السبع القديمة. ولكن مكتبة الاسكندرية الجديدة كانت أبرز المعالم التي يسعى السياح إلى زيارتها، وتعتبر أكبر المشاريع المعمارية الضخمة في العالم. وكان الهدف من وراء اقامتها استعادة مجد المكتبة القديمة التي دمرتها النيران والتي كان قد تم بناؤها في القرن الثالث قبل الميلاد. وكانت المكتبة القديمة تعتبر أكبر مكتبة في العالم وجعلت من الاسكندرية مهد المعرفة والعلوم، وتم افتتاح المكتبة الجديدة في 2003 وأصبحت بالفعل من أهم معالم الاسكندرية الحديثة، وهي تضم 11 طابقاً وتحتوي على أكثر من 8 ملايين كتاب من مختلف دول العالم ولغاتها. ومن بين أهم الأماكن التي يقصدها الزائر للاسكندرية حدائق المتنزه الشهيرة الواقعة داخل القصر الملكي السابق الذي كان المقر الصيفي للعائلة المالكة السابقة في مصر. ويضم فندق"فورسيزونز سان ستيفان"118 غرفة وجناحاً، معظمها يطل على البحر الأبيض المتوسط. وتتميز تصميمات ديكورات الفندق بالذوق الأوروبي مع لمسة من سحر الشرق. وقام بتصميم ديكورات الفندق المصمم العالمي بيار إيف روشون الذي تعمد ادخال الطابع المصري الكلاسيكي مع الاسلوب الروماني - الفرنسي ليعكس بذلك تاريخ المدينة الذي يمزج بين الشرق والغرب. ويضم الفندق تسعة مطاعم تحتوي على الأذواق والأطعمة المختلفة من اللبنانية والفرنسية والايطالية، وكذلك أطعمة البحر الأبيض المتوسط. ويضم أيضاً نادياً صحياً كبيراً يشتمل على 14 غرفة علاجية، وبه أماكن خاص للرجال وأخرى للنساء. ويعتبر الفندق مثالياً لعقد الاجتماعات والمؤتمرات، فهو يضم خمس قاعات مجهزة بأحدث التقنيات اللازمة لعقد الاجتماعات على أعلى المستويات. ويؤكد المسؤولون عن الفندق أنه يضفي بعداً جديداً ومختلفاً على السياحة في الاسكندرية، ثغر البحر الأبيض المتوسط الباسم. وعلى رغم أن عدد الغرف في الفندق يزيد بقليل عن مئة غرفة وجناح خاص، إلا أن عدد العاملين فيه يزيد على نحو 600 موظف وعامل، ما يعكس الحرص على توفير الخدمة الراقية المميزة التي تعتبر الطابع الخاص لفنادق"فورسيزونز". ولكن أكبر المشاكل التي تواجه السائح من بريطانيا الى الاسكندرية عدم توافر خط طيران مباشر من لندن إلى هناك، وذلك بعد أن أوقفت شركة"بريتش ميديترنيان"رحالاتها المنتظمة إلى هناك أخيراً. ولذلك فإنه يتعين على السائح الوافد من بريطانيا أن يصل إلى الاسكندرية عبر السيارة أو القطار من القاهرة. ويقر المسؤولون في الفندق أن هذه مشكلة ينبغي التوصل إلى حل سريع لها من أجل تسهيل عملية السفر من بريطانيا، خصوصاً أن الفندق، الذي يعتبر الأكثر فخامة في المدينة، كان يهدف الى جذب السائح من مختلف دول العالم، ومن أهمها بريطانيا، التي يقصد أهلها دائماً الدفء وشمس البحر الابيض المتوسط الدافئة. ولا يزال الزوار من داخل مصر ومن دول الخليج العربي يمثلون أكثر المترددين على الفندق حتى الآن منذ افتتاحه في شهر تموز يوليو الماضي.