الخلاف الذي ظهر حول مسلسل يبدأ تصويره قريباً ويتناول حياة الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر أثار "قضية درامية" تستحق النقاش. فالمخرج المصري محمد فاضل الذي كان من المفترض أن يتولى إخراج المسلسل أدلى بتصريحات بعدما سمع أن المخرج السوري باسل الخطيب سيتولى المهمة. وما يهمنا من هذه التصريحات هو الجزئية التي تقول ان مخرجاً مصرياً أفضل لإخراج عمل يتناول حياة الزعيم المصري، مثلما أن مخرجاً سورياً أفضل لإخراج مسلسل يتناول حياة الزعيم السوري شكري القوتلي، مثلاً، وفق ما جاء على لسان فاضل. في الواقع إن التجارب السينمائية والدرامية لا تدعم مثل هذا الكلام، ولسنا هنا في صدد الدفاع عن أحد أو التهجم على أحد، غير أن الفن لا يعترف بمثل هذه التصنيفات الضيقة، ولو كان الأمر خلاف ذلك، فكيف لنا أن نتخيل أن مخرجاً بريطانياً متشرباً الثقافة الغربية مثل ريدلي سكوت يحقق فيلماً مهماً مثل"مملكة الجنة"عن صلاح الدين الأيوبي، كما أن النجاح الذي حققه السوري حاتم علي في مسلسل"الملك فاروق"، المصري، ينفي ذاك التصور. ومثلما قام المخرج فاضل بتحقيق فيلم عن عبدالناصر، فإن زميله السوري أنور قوادري، كذلك، أنجز فيلماً مماثلاً يتناول حياة الزعيم المصري ذاته. من حق فاضل أن يدافع عن مشروعه، لكن المستغرب هو أن تكون حجته في هذا الدفاع مبنية على أن المخرج البديل هو سوري. وهذه الجنسية، في رأي فاضل، هي العائق الرئيس أمام هذا العمل الذي لا بد من ان يكون مخرجه مصرياً كي يأتي ناجحاً. إن مهمة المخرج الأساسية تتمثل في ترجمة النص بصرياً، وإذا كان هذا المخرج متمكناً من أدواته، ومجتهداً في جوانب مهنته، عندئذ سيتغلب على مختلف الصعوبات. والأمثلة كثيرة عن مخرجين غربيين تناولوا قضايا العالم الثالث بمنتهى الإتقان والفهم بعدما عثروا على النص الجيد، وأتيحت لهم الشروط الإنتاجية المناسبة، فما بالك إذا كنا نتحدث عن مخرج عربي سيتناول في عمله حياة زعيم عربي كان رئيساً لسورية، كذلك، إبان الوحدة المصرية - السورية. من الصعب، إذاً، تصنيف الدراما وفق معيار جغرافي، وفي ظل الانتشار الفضائي الهائل، فإن شركات الإنتاج الدرامية تسعى إلى إنجاز أعمالها وفق اعتبارات تمكنها من السرعة في الإنجاز، والتقليل من النفقات. ولا حيلة أمام المخرج، والحال كذلك، سوى أن يتأقلم مع هذه الظروف شرط ألا يتنازل عن تصوراته الفنية والجمالية، وأن يضع في ثنايا المسلسل بصمته الخاصة. المخرجان فاضل والخطيب حققا نجاحاً درامياً يعرفه المشاهد العربي جيداً، وهما جديران من دون شك، بإخراج المسلسل المنتظر، لكن تصوير الخلاف على النحو الذي سبق لا يخدم تاريخهما الفني، بل من شأنه أن يكرس نزاعاً ستكون ضحيته الأولى الفن.