قبل خمسين عاماً، فتح سوبرماركت "ليون"، وهو أول سوبرماركت بأوروبا، أبوابه ببروكسيل. وبلغت مساحته نحو 400 م2، أي عشرة أضعاف مساحة متاجر البقالة الرائجة في تلك الآثام، وأصغر بنحو خمسين مرة من السوبرماركت المعاصر. واحتار أول زبائن هذا السوبرماركت في أمرهم. فهم انتظروا أن يستقبلهم بائع فور دخولهم، وان يساعدهم في العثور على ما يبحثون عنه، على ما يحصل في متاجر البقالة الصغيرة. واضطر مديرو السوبرماركت الى التدخل، وإقناع الزبائن باستعمال عربة، واختيار المنتجات من الرفوف المخصصة لها، ووضعها في العربة، والتوجه الى الصندوق للمحاسبة. وآذن سوبرماركت"ليون"بانتقال أسواق الخدمة الحرة من ضفة الأطلسي الأميركية الى ضفته الأوروبية، وغزوها القارة القديمة. ففي الولاياتالمتحدة، أبصرت هذه المتاجر- الأسواق النور قبل ثلاثين عاماً، أي في ثلاثينات القرن المنصرم. وأسهم انتشارها في غلق المتاجر والأسواق التقليدية أبوابها. واستورد مالكو"ليون"عربات التسوق، وصندوق المحاسبة، ورفوف العرض، من الولاياتالمتحدة. وفي أعوام قليلة، قبيل نهاية الخمسينات من القرن المنصرم، انتشرت أسواق الخدمة الحرة بأوروبا، والتزمت شعار الأميركي كلارنس سوندرس، أول من ابتكر مفهوم سوق الخدمة الحرة في 1916. فسوندرس دعا البائع الى رفع ثقل خدمة الزبون عن كاهله، والى دعوة الزبون الى انتقاء مشترياته بنفسه. والحق أن السوبرماركت مرآة تغير القارة الأوروبية. فهذا النوع من الأسواق راج بالولاياتالمتحدة اثر أزمة 1929 الاقتصادية، وبأوروبا إثر الحرب العالمية الثانية. وتظهر صور بعض زبائن السوبرماركت الأوروبي في نهاية الخمسينات آثار العوز في ملابسهم وهندامهم. وأسهم الازدهار الاقتصادي، وبروز ثقافة الاستهلاك بأوروبا في الستينات، في انتشار السوبرماركت. فالحياة الأسرية عرفت تغيرات كبيرة في تلك الحقبة. وتغيرت، تالياً، عادات استهلاك الأسر الأوروبية. فالنساء غادرن المنازل الى أماكن العمل، واحتجن الى توفير الوقت وشراء الحاجيات من متجر واحد. وظهرت في الأسواق أجهزة منزلية كهربائية اختزلت المهمات المنزلية، ويسرت القيام بها. ويبدو أن متاجر السوبرماركت تحذو، اليوم، حذو سوبرماركت الخمسينات والستينات، وتستلهم نموذج السوبرماكت القديم. فمنذ نهاية التسعينات، برز ميل المستهلكين الأوروبيين الى المحافظة على البيئة، وعلى استهلاك منتجات محلية طازجة وخالية من المواد الحافظة. ونزل مديرو السوبرماركت على رغبات الزبائن، فأنشأ بعضهم مباني تراعي البيئة، وخفضوا نسبة استعمال الأغلفة المصنوعة من النيلون في توضيب السلع، ووفروا لزبائنهم سلعاً محلية. وتميل مساحة السوبرماركت المعاصر الى التقلص، وتشبه شيئاً فشيئاً السوبرماركت القديم. عن راشيل شيلدز، "اندنبدنت" البريطانية، 2/1/2008