في متابعتها للحراك الشعري العربي الذي شهده العام الماضي ومداولاتها لأبرز اسمائه توقفت لجنة تحكيم جائزة "كيكا" للشعر التي ترأسها الشاعر الأردني أمجد ناصر أمام عدد من الأسماء الشعرية الشابة والمخضرمة وقررت منح الجائزة للشاعر العُماني المغترب زاهر الغافري. وجاء في تقرير رئيس اللجنة: "باختيار زاهر الغافري لجائزتها الشعرية هذا العام 2008 فإن"كيكا"تكافئ بذلك قصيدة شبَّتْ في المنفى واحتمت بظلال بعيدة عن مساقط ضوء خارجية، والتفَّتْ حول نفسها كنواة جمالية صلبة متشبثة، في قوة، بنزعة تعانق الحلمى والجرح الانساني والهامش المتروك والعوالم الآفلة، وهذه ميزة جنّبت قصيدة الغافري التفجع العاطفي أو الهجاء السياسي لواقع الحال. ففي تجربة زاهر الغافري التي امتدت أكثر من ربع قرن، عاشها كلها خارج بلاده، غنائية انسانية كتيمة وجارحة ورواقية شفيفة لا تنكسر أمام شقاء الانسان في العالم. ففي قصيدته نلمس تمسك الغافري بنضال انساني عنيد لصنع عالم يليق بروح الانسان وجسده ويكون أرضا صالحة لنمو أحلامه. وتوقفت أمام استخدام الغافري للغة والصور والموروث ورأت أنه يعكس تمكّنا ومراسا عاليين ومرنين من غير أن يفسد المراس والتمكّن تلك الهبات العفوية واللقى الطازجة التي تجعل لقصيدته حرارة خاصة في قراءة تتكشف، بالتدريج، عن طبقات متداخلة من المعاني والعواطف المنضبطة والرؤى المشعة من الداخل. كما لاحظت لجنة التحكيم ذلك الدأب الذي عمل الشاعر، في ظلال صمته وكدحه، على تطوير قصيدته بعيدا عن التقليعات التي تطرأ على المشهد الشعري العربي ولا تبرح تختفي في اطار نزاعات الشكل والاسلوب، جاعلا القبض على الشعري في حالاته المتغيرة والمرواغة مسعاه الشخصي والكتابي، من دون أن يعني هذا تخليه عن العمل على الشكل الذي تناط به، على نحو متضافر بالمعنى، مهمة الصنيع الشعري. وأولت لجنة التحكيم قصيدة زاهر الغافري، بصفتها قصيدة اغتراب وبحث عن الجمالي في تعالقاته الانسانية، تقديرا خاصا لانفتاحها على"الآخر"واقتراحاته الجمالية من دون انقطاع عن جذورها العميقة حيث ظلت تتغذى من تلك الينابيع البعيدة التي أمدتها بأول قطرة وشكلت نسغها الحيوي. وبهذا تسهم تجربة الغافري، بانتمائها الى طور شعري عربي مهجري، في اغناء المشهد الشعري العربي الحديث بنبرة مميزة، وتوضح، في آن، تواصلها، تأثرا وتأثيرا، مع المجرى العام للقصيدة العربية الحديثة الراهنة في لحظة محتدمة من الصراع على بلورة صورة جديدة للهوية العربية التي يسعى الشعر، من ضمن فنون أخرى، إلى صوغها على أسس انسانية. لكل تلك الأسباب ولما تمنحه قصيدته، من متعة في القراءة والتلقي وعمق في تقليب أوجه الحنين للطفولة والخطى البعيدة والأصوات الضائعة، قررت لجنة التحكيم منح جائزة"كيكا"للشاعر العُماني زاهر الغافري". قيمة الجائزة 500 دولار، وكذلك يقوم الموقع بالمساعدة في ترجمة اعمال الفائز الى لغات أجنبية. ولد زاهر الغافري في عُمان عام 1956 وأقام في عدد من البلدان العربية والأجنبية، ويقيم منذ سنين طويلة في السويد، وقد أصدر خمس مجموعات شعرية على امتداد تجربته التي امتدت اكثر من ربع قرن، وهذا يعكس علاقة لا تعرف الاستسهال في الكتابة والنشر. من أعماله:"أظلاف بيضاء"،"أزهار في بئر"،"عزلة تفيض عن الليل"و"ظلال بلون المياه".