يعتبر توفير الخبز الهم الأول والأخير لدى المصريين، والغذاء الرئيس للغالبية، إذ يستهلك المصريون يومياً ما يقرب من 270 مليون رغيف، يبلغ متوسط نصيب الفرد ثلاثة منها، ومع ارتفاع سعر القمح عالمياً، رفعت الدولة في الموازنة الجديدة قيمة دعم الدقيق من 9 بلايين جنيه الى 15 بليوناً، للحفاظ على سعر الرغيف المدعوم. لكن مع وجود سعرين لسلعة واحدة في السوق يسرب الدقيق المدعوم ويستفيد أصحاب المخابز من فارق السعر. ووصل رقم الفاقد في عملية الدعم الى 4.5 بليون جنيه سنوياً، هي من حق المواطن المستهدف من الدعم. ويرى خبراء أن رصد 15 بليون جنيه سنوياً لدعم رغيف الخبز لم تغير أوضاعه ومشاكله في مصر، فلا يزال الوضع كما هو والمشكلة قائمة، تدعم الدولة الدقيق من جهة ويتسرب 45 في المئة منه الى السوق الموازية، ليصل في النهاية الى يد المصريين رغيف خبز لا يليق على الإطلاق لا في شكله ولا في مضمونه بمائدة يلتف حولها في المتوسط 5 أشخاص في حاجة على الأقل الى 15 رغيفاً مدعوماً من الدولة ومدعوماً في تكوينه بضمير الخبّاز. لكن للأسف ما يصل الى غالبية المصريين، رغيف لا يتعدى حجمه"كف اليد"أي نصف وزن الرغيف المصرح به، والأسباب متعددة بحسب مسؤولين، أبرزها، ارتفاع أسعار القمح عالمياً وانعكاسه على الداخل. لذلك يعتبر ملف القمح من أهم الملفات التي تستغل سياسياً على اعتبار انها سلعة حيوية جداً. وتقدم غير نائب معارض بطلب إحاطة الى وزير الزراعة واستصلاح الأراضي أمين أباظة في شأن زراعة محصول القمح في البلاد، على اعتبار ان مصر منذ مئات السنين يُطلق عليها بلد النيل ومهد الزراعات، وتعتبر سلة القمح اذ كانت تنتج ما يزيد على الاستهلاك المحلي. واعتبر نواب تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح مؤامرة تبدأ من واشنطن إذ نصّت اتفاقات المنح والقروض التي تقدمها الى مصر على"ألا تستخدم أموال المنح في كل ما من شأنه تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح". وأشاروا الى أن عبر العقود الخمسة الماضية بدأت زراعة القمح تتراجع بمساحاتٍ كبيرة فانتهى الحال الى تراجع الإنتاج السنوي بنحو 606 ملايين طن، بينما يحتاج الاستهلاك المصري الى 13 مليون طن، وتستورد البقية"من الولاياتالمتحدة وفرنسا وكازاخستان واستراليا وروسيا وايران". وشدد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء في دراسة عن احلال زراعة القمح محل البرسيم، بضرورة اختبار إمكان رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح من 60 في المئة من الاستهلاك القومي حالياً الى 80 في المئة عام 2010. وأظهرت النتائج أن تنفيذ السيناريوات سيؤدي الى توفير مياه الري وزيادة اليد العاملة في الزراعة، واستهلاك الأسمدة الكيماوية، أما بالنسبة الى الاقتصاد القومي فيؤدي تحقيقها الى خفض قيمة الدخل الزراعي وتراجع عجز الميزان التجاري الزراعي نتيجة انخفاض واردات القمح، في حال تعويض نقص انتاج اللحوم والألبان الناتج من خفض مساحة زراعة البرسيم من طريق استيرادها. وأشارت الدراسة التي أعدها خبراء وباحثون في المركز، الى ان تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 80 في المئة يستوجب زيادة مساحة القمح بنحو 400 ألف فدان. وخلصت الى توصيات زيادة إنتاجية القمح أهمها التركيز على الأراضي الجديدة لتحقيق نسبة اكتفاء ذاتي أعلى من 60 في المئة واستنباط أصناف من البرسيم عالية الإنتاجية والتوسع في خلط الأعلاف غير التقليدية، وفي التركيب المحصولي، الى التوسع في تحميل القطن على القمح والذي بدأ تنفيذه على مستوى تجريبي في المحافظات اضافة الى البحث عن أسلوب آخر للدعم لضبط علميات تسرب القمح والخبز الى الأعلاف لانخفاض أسعاره. وتشير بيانات رسمية الى أن مصر كانت تستورد في 1995 نحو مليون طن من القمح ارتفعت العام الماضي الى 7 ملايين. وبلغ إنتاج القمح المحلي 8.2 مليون طن في حين كان الاستهلاك 9.1 مليون طن، ومع أول التسعينات قفز ليسحل 41 في المئة من الاستهلاك وارتفع الى 57 في المئة فقط عام 2006. وبلغ معدل استهلاك الفرد من القمح 180 كيلوغراماً في 2007 بينما يقل عن ذلك بكثير في دول العالم. وقال وزير الزراعة واستصلاح الأراضي أمين أباظة: إن فاقد الخبز في البلاد يصل الى 15 في المئة، وان هناك فاقداً يذهب لغير الاستهلاك البشري. وأشار الى ان مشكلة القمح تكمن في تجاوز عدد السكان ال70 مليون نسمة حالياً، إضافة الى زيادة معدلات الاستهلاك ومحدودية الأراضي المزروعة قمحاً، فضلاً عن انخفاض السعر الذي تشتري به الحكومة القمح من الفلاحين في حين أن القمح المستورد هو أغلى، ما يدفع الفلاح الى تفضيل زراعة البرسيم لإطعام الماشية أو زراعة الخضر ذات الدورة الزراعية القليلة والعائد المادي الكبير. وبهذا أصبحت مصر تستورد من القمح أضعاف قيمة ما تصدِّر من الخضر والفاكهة.