تفضل أسر عراقية كثيرة الطبيب المسن على الطبيب الشاب، بذريعة الخبرة الطويلة التي يتمتّع بها الأول، وصبره على مرضاه وأحوالهم. وينجح الأطباء الصبورون في كسب ثقة المرضى وعائلاتهم. وشيئاً فشيئاً، يتحولون إلى معارف وأصدقاء، وحاملي أسرار في شؤون تتعدى الأمور الصحية. نصير عيسى السوداني، متخصص في تقويم الأسنان والجراحة، يرى أن الطبيب يحاول جذب"الزبائن"إلى عيادته في بداية مشواره، لأن نجاحه يتوقف على سمعته المهنية والحالات التي ينجح في علاجها. ومع مرور الوقت، قد تتوطّد العلاقة وتتخطى المهنة، وتأخذ بعداً اجتماعياً. وهو يشير إلى أنه حصد صداقات متنوعة، وبنى علاقات انسانية مع عدد من مرضاه، بعيداً من المصلحة المادية. محمود ذياب، طبيب كلى ومسالك بولية في بغداد، يؤكد أن"لهفة"الطبيب للحصول على المادة تتلاشى مع سنوات الخدمة. ويبدأ الأطباء التركيز على نجاحهم المعنوي في علاج الحالات الصعبة والخطيرة. ويرى أن كثرة المرضى الذين يرتادون العيادة، ليست معياراً لنجاحه، فقد تؤثّر سلباً في التشخيص والنتائج، ما يؤدّي إلى انهيار سمعته. ويشدد ذياب على أن العلاقة الإنسانية تبدأ من المراجعة الأولى، عندما يمنح الطبيب مرضاه شعوراً بالاطمئنان والثقة. ويلفت إلى"أن هجرة الأطباء من العراق، بسبب الظروف الأمنية والمعيشية المزرية، وتكليف طلابهم إدارة عياداتهم، أدّيا إلى فقدان"زبائنهم"، واختلال العلاقة معهم. وقد احتفظ ذياب بعيادته، في حي الشعب، بعدما فتح اخرى داخل مستشفى، مراعاة لمراجعيه الذين رفضوا مراجعة أطباء آخرين، إن هو أغلق عيادته. سناء جاسم 29 عاماً، وهي موظّفة، تكشف أن حسن معاملة طبيبها النفسي لها دفعها إلى الوقوع في حبه. وكانت بدأت العلاج إثر تعرّضها لمحاولة خطف. وتقرّ بأنها فسرت اهتمامه بها وحرصه على صحتها، تفسيراً خاطئاً، معتقدة انه يحاول لفت انتباهها إليه. وكانت تراجع طبيبها النفسي سراً، خوفاً من الناس المحيطين بها وتعليقاتهم. وترى نغم جابر 36 عاماً أن الأطباء الذين يتمتعون بسمات انسانية عالية هم الأكثر حظوة لدى المرضى، وان سيادة التفكير المادي لدى الطبيب غالباً ما تؤول به الى خسارة زبائنه. مهما اختلفت وجهات النظر في علاقة الطبيب بالمريض، يبقى أن حياة الثاني رهن بخبرة الأول وحكمته... وقلبه الكبير.