الفيلم التايواني "شبق وحذر" Lust Caution خريف 2007 للمخرج أنغ لي الذائع الصيت منذ نال فيلمه الأميركي"بروكباك ماونتن"أوسكار أفضل عمل وأفضل اخراج 2006، أثار موجة انتقادات واسعة في الصين الشعبية، وتايوان، وهونغ كونغ، في أوساط الجاليات الصينية في المهاجر، على حد سواء. بينما اعتبرته الصحافة التايوانية"اعتذاراً عن خيانة الأمة الصينية"، وجدت فيه الصحافة الصينية"تحريفاً لفكر الكاتبة ايلين تشانغ". والفيلم استعمل روايتها، وهي تحمل العنوان نفسه، مادة بنى عليها. ونعت يساريون وطلاب صينيون أنغ لي بالمتخاذل والخائن. وطالب بعضهم بحظر عرض الفيلم. وحسبت وسائل اعلام تايوانية، مناصرة للاستقلال عن الصين، أن عقدة المخرج بإزاء"الصين الكبرى"غلبت على عمله، وروّجت الصحافة الصفراء للفيلم فزعمت أنه عمل"اباحي وجريء". ولم يعرف فيلم آخر سجالاً كذاك الذي حاط الفيلم"الصيني بامتياز"، على قول التايوانيين. وهو غني بالعناصر التاريخية، وقلب رأساً على عقب النحو الذي تروي عليه الأحزاب التايوانيةوالصينية، منذ اندلاع الحرب بين اليابانوالصين، الوقائع التاريخية. والحق أنه يتخطى الحب الشهواني الذي يسلب عقول المشاهدين. وذريعته هي قصة صغيرة تروي علاقة شبقة بين شاب وفتاة. بينما تدور حوادث قصة كبيرة تربط مصير أمة بمآل حقبة من الزمن. واللجوء الى سيرة فردين ورواية سيرة تاريخية ينير ثنايا التاريخ المظلمة، ويظهر ضعف الطبيعة البشرية، بقوة ابداعية استثنائية. وتتصدر سنوات الحرب الثماني ضد اليابان، تلك الحقبة المأسوية التي ما زالت تلهب مشاعر الصينيين في العالم،"شبق وحذر". فالعمل يستعيد أجواء الزمن ذاك. وفي أثناء عرضه بقاعة بجامعة هونغ كونغ، كان رد المشاهدين واحداً حين صرخت احدى شخصياته:"الصين لا يمكن أن تفنى". ولم تكن تلك الصرخة شعاراً سياسياً عادياً، بل استرجاعاً لمصير مأسوي نزل بملايين الصينيين. وهي تشخص أصل قضية تايوان الحالية، وتخلفها عن افتراق الحزب القومي كيوومينتانغ والحزب الشيوعي الصينيين، بعد انتصارهما معاً على اليابان. وتُذكّر بأن التحرر من الاستعمار اليابانيبتايوان هو وليد انتصار المقاومة ضد اليابانيين في القارة الصينية وكانت الصين استعادت تايوان في 1945. ولعل فهم طبيعة علاقة تايوان، الجزيرة، بالصين، القارة، والسبب في وقوف معظم الصينيين في العالم ضد استقلال الأولى، نشأ عن ولادة المأساة الصينية من المعاناة المشتركة من الهيمنة اليابانية. وأنغ لي قليل الكلام في السياسة. ولكنه يدعو تايوان الى ايلاء مكانة راجحة للتقاليد الثقافية، ويؤكّد تعلقه بالثقافة الصينية، وبحثه عن"صين ثقافية"، ولا يرى تناقضاً بين"حبّه لتايوان"وپ"قلبه الصيني". فيتصدى، في آن، الى آراء المجموعات الاستقلالية بتايوان والحزب الشيوعي الصيني. والشخصيات التي تستميل المشاهدين في"شبق وحذر"ليست من أعضاء الحزب الشيوعي، بل"عملاء سريون وطنيون"، أي أعضاء في الحزب القومي كيوومينتانغ. ويصورهم أنغ لي مستبسلين بوجه الغازي الياباني. فيبيض المخرج صفحتهم، ومنذ نصف قرن تجهد الصين الشعبية في تسويدها. ويستعيد أنغ لي معالم النزعات الإنسانية. فالبشر عالقون بين السلطة وبين زمانهم. وعلى هذا، فأدوارهم تضج بالحياة، وبقوة درامية استثنائية. ويتوسل العمل الحب الشهواني الى صوغ بنية تتحكم في مصير فردين، هما صورة عن مصير ملايين من الصينيين كانوا على شفير البؤس. عن ياو لوب بون رئيس التحرير، "يازو زوكان أيجيا ويكلي"الهونغكونغية، 16/1/2008