من يتجول في شوارع بيروت يلاحظ في بعضها صوراً مرفوعة لقائد الجيش العماد ميشال سليمان تحت عنوان"المنقذ". ومن يلتقي سليمان ويتعرف الى كيفية تفكيره في المحنة التي يعيشها لبنان يدرك ان من يعرقل مجيئه الى سدة الرئاسة لا يريد"إنقاذ"لبنان. فميشال سليمان مواطن لبناني وفيّ ومخلص كأي مواطن عادي يحب بلده. لكن كيف يفكر إذا تولى الرئاسة؟ إنه يريد ان يبدأ ولايته الرئاسية بإجراء مصالحة بين الأطراف اللبنانيين المختلفين، وهذه أولوية لبلد وصفه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ب"لبنان المجروح". وإذا كان موسى على حق عندما قال ان لبنان يحتاج الى من يشفيه من هذا الجرح، فسليمان بإمكانه ان يقوم بذلك لأنه يدرك الحاجة الملحة إليه. ولذلك يريد ان يحكم بالتوازن بين الجميع، متمسكاً بصيغة الطائف وبعلاقات صحيحة مع سورية. وهو مقتنع أن بإمكانه ان يصل الى علاقة ندية وأفضل مع سورية من دون تبعية وشتم وإيحاء بالتآمر. ولقد أثبت الجيش اللبناني، تحت قيادته، منذ بداية التظاهرات الشعبية بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري انه قام بدور الحكم المتوازن. فعلى رغم المنع الرسمي للتظاهر بإيحاء من دمشق، عبر حليفها الرئيس السابق اميل لحود، لم يواجه الجيش المتظاهرين، بل حافظ عليهم وعلى أمنهم، وبالتالي على حق ديموقراطي شرعي. لكن الوقائع تشير الى ان المعارضة اللبنانية، عبر ما تقوله علناً أو بواسطة بعض صحفها، لا تريد انتخاب رئيس. فإما ان يكون"عماد"آخر غير مرغوب فيه من الأكثرية اللبنانية وإما لا انتخابات رئاسية، لأنها تريد لبناناً"جديداً"يعود اليه عصر الهيمنة السورية. وواقع الحال، أن تساؤلات بعض كبار المسؤولين الغربيين والعرب عما اذا كانت سورية تريد سليمان هي فعلاً في محلها. فالتشكيك الذي صدر عن بعض حلفاء سورية اللبنانيين في سليمان والإشاعات الكاذبة التي ينشرها بعض الصحف المحلية من ان فرنسا تخلت عنه وأنها بعد سقوط المبادرة العربية ستعقد صفقة مع سورية لاختيار شخص آخر، لا تستند الى اساس. فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزير خارجيته برنار كوشنير كررا ما كانا أعلناه من انهما ينتظران من سورية ألاّ تعرقل انتخاب المرشح التوافقي سليمان. إلا انه، لسوء الحظ، يبدو أن سورية، وعلى رغم ادعائها تأييد المبادرة العربية، لا تريد سليمان، وبات ذلك واضحاً من أقوال حلفائها على الأرض اللبنانية والصحف التابعة لها. ف"حزب الله"وبقية أطراف المعارضة يريدون الآن ميشال عون رئيساً للبنان لأنه طرف مسيحي الى جانبهم يسهل اللعبة السورية في لبنان، وهدفها إقامة"لبنان جديد"خاضع لنفوذها، وهذا ما تتمناه ايضاً اسرائيل التي تثق بقدرة سورية على ضبط"حزب الله"، وهذا ما أثبتته سنوات الوصاية السورية على لبنان. فوقف إطلاق النار عام 1996 بعد عملية"عناقيد الغضب"الإسرائيلية في الجنوب لم يكن ممكناً من دون رعاية سورية وإيران. والأكثرية اللبنانية اليوم لا تطلب القمر، بل انتخاب رئيس منقذ يعمل على مصالحة اللبنانيين ويعيد للرئاسة اللبنانية هيبتها. وهذا الرئيس هو ميشال سليمان الذي كانت المعارضة اعتبرته توافقياً في البداية ثم بدأت تتراجع عن ذلك، وكأنها تريد المزيد من المآسي الأمنية والاقتصادية والسياسية للبلد. وهنا لا بد من طرح السؤال: ماذا يريد هؤلاء الذين ينصبون الخيم وينظمون اعتصامات تشل الحركة الاقتصادية للناس وتجمد الأعمال وحركة البلد؟ هل يريدون"أشلاء"لبنان؟ إن من أبسط حقوق وطنهم عليهم ان يعيدوا النظر في حساباتهم، لأنها ليست لمصلحتهم على الأمد الطويل، فلبنان مستقل وسيد افضل لهم من لبنان سوري أو إيراني!