في 25 أيلول سبتمبر الجاري يدخل لبنان رسمياً مرحلة الاستحقاق الرئاسي لانتخاب رئيس يخلف الرئيس الحالي إميل لحود. وعلى رغم إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في وقت سابق، أن جلسة انتخاب الرئيس ستعقد في اليوم الأول من المهلة الدستورية، فإن تأكيده أن لا جلسة من دون حضور ثلثي عدد النواب، يفاقم الجدل بين فريقي الأكثرية والمعارضة حول النصاب القانوني لعقد الجلسة. ففي حين يرى فريق الأكثرية إمكان إجراء انتخابات بحضور نصف عدد النواب زائداً واحداً وأن المادة 49 من الدستور لا تحدد النصاب بثلثي النواب إذ تنص على أن يحصل المرشح في الدورة الأولى على أصوات ثلثي نواب المجلس وعلى النصف زائداً واحداً في الدورة الثانية ليصبح رئيساً منتخباً، يرى فريق المعارضة استحالة حصول هذا الأمر، متذرعاً بجلستي الانتخاب عامي 1982 و1976 عندما تأجل عقدها ساعات في كل مرة لتأمين نصاب الثلثين، وانتخابات العام 1988 التي لم تعقد لعدم تأمين النصاب. من انتخاب الرئيس سليمان فرنجية قبل الحرب الأهلية 1970 حتى الرئيس لحود، أزمات كثيرة شهدتها ولادات الرؤساء اللبنانيين التي جاءت كلها متعثرة، إما بسبب التدخلات الخارجية أو بسبب الاقتتال الداخلي والاحتلال الإسرائيلي أو كل هذه العوامل مجتمعة. منذ عام 1970 حتى 2007، مراحل كثيرة مرت بها الانتخابات الرئاسية: حوادث مفتعلة لمنع النواب من الحضور وتطيير النصاب، خطط سرية للاتفاق على مكان انتخاب آمن بعيداً من مرمى نيران أحد المتضررين من انتخاب رئيس جديد، وتعديلات تمارس على الدستور اللبناني لمصلحة أشخاص صاروا رؤساء. صور من جلسات الحرب شهدت جلسة انتخاب الرئيس في 17 آب أغسطس 1970 ولادة ما يسمى بأزمة الثلثين. في تلك الجلسة، حضر جميع النواب الذين كان يتشكل منهم المجلس، وكان عددهم 99 نائباً. حاز إلياس سركيس 45 صوتاً، في مقابل 38 لفرنجية. غير أن واحداً من المرشحين لم يحصد الثلثين. انتقل المرشحان الى دورة ثانية ألغيت بدورها، بسبب وجود ورقة إضافية على عدد النواب الپ99. في الدورة الثالثة فاز فرنجية بپ50 صوتاً، أي بفارق صوت واحد وبنسبة النصف زائد واحد. بعد عامين من بدء ولاية فرنجية انتُخب المجلس النيابي الأخير قبل اندلاع الحرب الأهلية. المجلس تألف من 99 نائباً، وكان يجدد له تلقائياً كل أربع سنوات بسبب تعذر إجراء انتخابات نيابية جديدة في ظروف الحرب. تفاقمت الأوضاع الأمنية وتناقص عدد النواب لأسباب عدة، وصار عدد النواب الكافي لتأمين نصاب الثلثين يتأرجح بين جلسة وأخرى. في 22 أيلول 1976، وبعد شهور على انطلاقة الحرب، حل موعد انتهاء ولاية فرنجية. وسبقت ذلك وساطات أقنعته بتعديل المادة 73 من الدستور، بهدف إجراء انتخابات مبكرة عن المهلة الأصلية في الدستور. وفي 10 نيسان ابريل صوّت المجلس على التعديل، ليجتمع مجلس النواب في 8 أيار مايو 1976، في ظل تدهور أمني عنيف وظروف أمنية صعبة في مقره الموقت في قصر منصور قرب المتحف لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وأصر رئيس المجلس آنذاك كامل الأسعد على حضور ثلثي عدد النواب، أي 66 نائباً للشروع في الاقتراع. انتظر رئيس المجلس 3 ساعات حتى تمكن 67 نائباً من الوصول تحت القصف وأعمال القنص. ونال إلياس سركيس، المرشح الوحيد، 63 صوتاً ووجدت خمس أوراق بيض. هنا أيضاً لم يحصل أي من المرشحين على أصوات الثلثين من الدورة الأولى، فجرت عملية اقتراع ثانية. ونال سركيس 66 صوتاً، أعلن بعدها الأسعد فوزه بالرئاسة. في أيلول 1982 أنهى سركيس ولايته وسط اجتياح إسرائيلي لنصف الأراضي اللبنانية. في 19 آب 1982 دعا الأسعد الى جلسة انتخاب في قصر منصور. في تلك الفترة، كان توفي قتلاً أو لأسباب طبيعية خمسة نواب وصار المجلس مؤلفاً من 94 نائباً. في هذه الجلسة عادت أزمة نصاب الثلثين مرة جديدة، واحتسب المجلس استناداً الى فتوى جورج فيديل نصاب المجلس بعدد النوات الأحياء. وتقرر بالنتيجة نصاب ثلثي النواب الأحياء بپ62 نائباً. في تلك الجلسة، لم تفلح الضغوط التي مورست على النواب في تأمين حضور 62 نائباً، فأعلن الأسعد موعداً جديداً هو 23 آب، ونقل مكان الانعقاد الى المدرسة الحربية في ثكنة الفياضية لأسباب أمنية. وكانت المنطقة ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي. في 23 آب 1982، موعد الجلسة الجديدة، كان يؤتى بالنواب من منازلهم لتأمين نصاب الثلثين. وبعد تأخر عقد الجلسة ساعتين ونصف الساعة حضر 62 نائباً، من أصل 94. بعد اكتمال النصاب، انتخب بشير الجميل رئيساً بپ57 صوتاً، ووجدت في الصندوق خمس أوراق بيض. في 14 أيلول وقبل تسلمه مهماته بتسعة أيام، أودت عبوة ناسفة بحياة بشير في الأشرفية. بعد أسبوع واحد على اغتيال بشير الجميل في 21 أيلول 1982 اجتمع المجلس النيابي وانتخب شقيقه أمين الجميل رئيساً بأكثرية 77 صوتاً في مقابل 3 أوراق بيض، في ما بدا شبه إجماع. وفي 22 أيلول 1988، انتهت ولايته بعد إحداث أول فراغ دستوري يمر به لبنان، إذ بقي سليم الحص يمارس مهماته رئيساً للحكومة، فيما بقي قائد الجيش ميشال عون في قصر بعبدا رئيساً لحكومة عسكرية من وزيرين ضابطين في الجيش. في ظل أزمة الفراغ التي كانت تلوح في الأفق، حدد رئيس المجلس آنذاك، حسين الحسيني موعد جلسة انتخاب الرئيس في 18 آب 1988، وترشح سليمان فرنجية الى المنصب. في موعد الجلسة، مورست تهديدات على النواب لمنعهم من تأمين نصاب الثلثين الذي صار 53 نائباً. في ذلك اليوم وصل الى المجلس النيابي 38 نائباً فقط. ولم يتأمن النصاب، فرفعت الجلسة الى موعد آخر. عاد الحسيني وحدد 22 أيلول، قبل يوم واحد من انتهاء ولاية الجميل، موعداً لانتخاب رئيس جديد، في مقر المجلس القديم في ساحة النجمة، إلا أن النواب المسيحيين رفضوا الحضور وأصروا على قصر منصور. وتعطلت جلسة 22 أيلول، بسبب عدم تأمين نصاب الثلثين. ما بعد الفراغ الدستوري والطائف بعد نحو سنة من الفراغ الدستوري، أبصر اتفاق الطائف النور. شعر عون بالارتباك ودعا حكومته الى الاجتماع وعقد لقاءات مع حلفائه. آنذاك، بدأ المجلس النيابي التحضير لانتخاب الرئيس، وقد صار نصاب الثلثين 48 نائباً من أصل 72 نائباً يتشكل منهم المجلس، وهو الأدنى منذ بدء الحرب. وظلت عقدة المكان قائمة خوفاً من التعطيل، إذ ان عون كان رفع سقف تهديداته للنواب. اتخذ رئيس المجلس تحضيرات سرية، وتبلغ النواب بأن يجتمعوا في منزل رئيس المجلس حسين الحسيني، ليتوجهوا الى مطار القليعات في الشمال من طريق البقاع، على أن يصل النواب الى القليعات عبر دمشق. وهكذا حصل. في تلك الجلسة حضر 58 نائباً، أي أكثر من الثلثين. وفي الدورة الأولى، نال رينيه معوض 35 صوتاً، في مقابل 16 صوتاً لجورج سعادة و5 أصوات للياس الهراوي وورقتين بيضاوين، ولم يحرز أي منهم ثلثي الأصوات. في الدورة الثانية انتخب معوض بأكثرية 52 صوتاً، وست أوراق بيض، بعدما انسحب له سعادة والهراوي، وكان انسحب قبلاً مخايل الضاهر وسليمان فرنجية. بعد 17 يوماً على انتخابه وفي يوم عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني نوفمبر اغتيل معوض، وبدا للوهلة الأولى أن البلاد تسير في اتجاه فراغ آخر. بعد ساعات من اغتيال معوض، وجّه الحسيني دعوة لانتخاب رئيس جديد. عقدت الجلسة في فندق"بارك أوتيل"في شتورا، وحضر النواب. عند الثامنة من مساء 24 تشرين الثاني 1989 انتخب الياس الهراوي رئيساً ب47 صوتاً من أصل 52 نائباً شاركوا في الجلسة. ولم يترشح أحد ضده. تعديل للهراوي وتعديلان للحود عام 1995 عدلت المادة 49 من الدستور اللبناني التي تحدد ولاية الرئيس بست سنوات. ومددت ولاية الهراوي 3 سنوات أخرى، حتى 24 تشرين الثاني 1998. وعلى رغم أن التعديل للهراوي نص على أنه"لمرة واحدة وبصورة استثنائية"، فإن تعديلاً جديداً ما لبث أن أطل عام 1998 وپ"لمرة واحدة استثنائية"، مجيزاً انتخاب رئيس الجمهورية من موظفي الفئة الأولى، فانتخب قائد الجيش إميل لحود رئيساً في 15 تشرين الأول اكتوبر 1998 بإجماع النواب الپ118 الحاضرين، وبغياب 10 نواب. بعد ستة أعوام، أي عام 2004 عدل الدستور مرة جديدة وپ"لمرة واحدة استثنائية"، ومدد للحود ثلاث سنوات إضافية في ظل معارضة شديدة. في 14 شباط فبراير 2005، اغتيل رئيس الحكومة رفيق الحريري، وفتحت على لحود أبواب معارضة شديدة. وشهد عهده الممدد له خروج القوات السورية بعد 30 عاماً من دخولها الى لبنان، كما شهد حرباً إسرائيلية جديدة على لبنان في تموز يوليو 2006، وانقساماً داخلياً حاداً لم تشهده البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية فيها. في 24 تشرين الثاني تنتهي ولاية لحود، وقبلها بعشرة أيام تنتهي المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد. وحتى ذلك الحين، تبقى المراهنة على العرف السائد في لبنان، بأن تسوية انتخاب رئيس جديد تتم عادة في ربع الساعة الأخير. المادة 49 أو مادة"لمرة واحدة واستثنائياً" تعتبر المادة 49 من الدستور اللبناني الأكثر إثارة للجدل في ما يخص الانتخابات الرئاسية في لبنان. وهي خضعت الى أكثر من تعديل"لمرة واحدة واستثنائياً"خلال السنوات التي سبقت والتي تلت اتفاق الطائف، لناحية التمديد لولاية الرئيس، فضلاً عن التعديل الخاص بمنع ترشح موظفي الفئة الأولى الذي قاد إميل لحود الى سدة الرئاسة. وتنص المادة 49 القديمة دستور 1926 على أن"ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجموع أصوات الشيوخ والنواب ملتئمين في مجمع نيابي، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ثلاث سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه مرة ثانية إلا بعد ثلاث سنوات من انقضاء مدة ولايته. ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً الشروط التي تؤهله للنيابة". وعدلت المادة بموجب القانون 17/10/1927 على النحو الآتي:"ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجموع أصوات مجلس النواب، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ثلاث سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه مرة ثانية إلا بعد ثلاث سنوات من انقضاء مدة ولايته. ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً على الشروط التي تؤهله للنيابة". ثم عدلت بموجب القانون 8/5/1929 حيث باتت تنص على:"ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجموع أصوات الشيوخ والنواب ملتئمين في مجمع نيابي، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات من انقضاء مدة ولايته. ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً الشروط التي تؤهله للنيابة". فقرة موقتة:"لا يستفيد رئيس الجمهورية الحالي من أحكام هذه المادة التي جعلت مدة الرئاسة ست سنوات بدلاً من 3 سنوات. بناء عليه فإن مدة رئاسته تنتهي في 26 أيار سنة 1932". وعدلت المادة 49 أيضاً بموجب القانون الدستوري الصادر في 22/5/1948 الرامي الى إعادة انتخاب رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري مرة ثانية حيث نصت على:"خلافاً لأحكام المادة 49 من الدستور وبصورة استثنائية تجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية الحالي مرة ثانية ولا تجوز إعادة انتخابه مرة ثالثة إلا بعد ست سنوات من انتهاء مدة ولايته الثانية". ورست المادة المذكورة في صيغتها النهائية على النص الآتي:"رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يترأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء. ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد 6 سنوات من انتهاء ولايته، ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح. كما أنه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد. - المادة 49 المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 19/10/1995: أضيفت الى المادة 49 من الدستور الفقرة الآتية: لمرة واحدة وبصورة استثنائية تستمر ولاية رئيس الجمهورية الحالي إلياس الهراوي ثلاث سنوات تنتهي في الثالث والعشرين من تشرين الثاني 1998. إشارة الى أن التعديل جاء بناء على اقتراح قانون دستوري سنداً الى المادة 76 من الدستور التي تنص على الآتي: تمكن إعادة النظر في الدستور بناء على اقتراح رئيس الجمهورية، فتقدم الحكومة مشروع القانون الى مجلس النواب. ووقع الهراوي اقتراح القانون بعد مناشدة مزدوجة من رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري له لتوقيعه وإحالته على المجلس النيابي. - المادة 49 المعدلة بالقانون الدستوري في 31/10/1998: أضيفت الى المادة 49 من الدستور الفقرة الآتي نصها: لمرة واحدة، وبصورة استثنائية، يجوز انتخاب رئيس الجمهورية من القضاة أو موظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام. وهذا التعديل أتاح انتخاب الرئيس الحالي إميل لحود، وقد اقترحه الهراوي وأقره مجلس الوزراء ووقعه الهراوي والحريري وأحالاه على المجلس النيابي الذي أقره بدوره.