سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاستحقاق الرئاسي من وجهة نظر قانونيَين من 8 و14 آذار . لبنان منقسم بين الانتخاب بالنصف +1 والثلثين ... واللبنانيون ينتظرون حصيلة "ألعاب" نوابهم "الدستورية"
أيام معدودة تفصل اللبنانيين عن 23 تشرين الأول اكتوبر الجاري، موعد الجلسة الجديدة لانتخاب رئيس للجمهورية. الدعوة وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى النواب، مباشرة بعد تأجيل جلسة 25 أيلول سبتمبر الماضي، التي لم تنعقد في الأصل. وعلى رغم جرعات التفاؤل الموسمية التي تصيب اللبنانيين مع كل حديث عن وفاق محتمل يمكن أن يسبق الموعد الجديد، فإن الخلاف ما زال على أشده بين فريقي الأكثرية والمعارضة حول النصاب المطلوب لانعقاد جلسة الانتخاب. ففي حين ترى الأكثرية أن الجلسة يمكن أن تفتتح بنصاب النصف زائداً واحداً، أي بحضور 65 من أصل 127 نائباً يتشكل منهم المجلس حالياً بعد اغتيال النائب أنطوان غانم، تتمسك المعارضة بنصاب الثلثين أي بحضور 85 نائباً. وبين الاثنين لا يمكن تنصيب المادة 49 من الدستور اللبناني حَكَماً. إذ يسهم الغموض الذي يحيط بها في تغذية التباين الكبير. فهي تنص على أنه"ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي"، من دون أن تحدد النصاب المطلوب لانعقاد الجلسة. كما يشرّع غموض النص الأبواب والنوافذ أمام تأويلات وتفسيرات كثيرة ومتناقضة للنصاب. وهو ما يبدو جلياً في رأي رجلي قانون التقتهما"الحياة"، فعكست رؤيتهما للمادة نفسها طرفي النقيض من أزمة النصاب. الصراحة وما يفيدها! يستغرب الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة الدكتور يوسف سعد الله أحد الرموز الدستورية والقانونية في لبنان الذي ينتمي إلى"التيار الوطني الحر"برئاسة العماد ميشال عون، الجدل الدائر حول نص المادة 49، ويرى أنه"عندما يفيد النص بأن الانتخاب يتم بغالبية الثلثين، فهو يحدّد أن النصاب المطلوب هو الثلثان". يستند الخوري إلى خبرته الطويلة في حقل القانون ومعايشته انتخابات رئاسية متتالية. ويقول:"النص تكلم بما يفيد الصراحة. والصراحة وما يفيد الصراحة تعنيان الأمر نفسه. النص هنا ليس في حاجة لتفسير ولا لتأويل أو لقياس واجتهاد". يوجه الخوري إلى المشككين بحتمية الثلثين سؤالاً حاسماً:"حين يقول النص بالانتخاب بأكثرية الثلثين، فماذا سيكون النصاب؟". بعبارة أخرى:"كيف يمكننا أن ننتخب رئيساً بالثلثين، إذا اجتمعنا بنصاب النصف زائداً واحداً؟". الجواب عن سؤال الخوري، نجده عند النائب في الأكثرية نقولا فتوش. وهو أيضاً يدرّس القانون في الجامعة اليسوعية ويشرف على رسائل الدكتوراه. في جعبة فتوش في مقر إقامته"الجبرية"في فندق فينيسيا دراسة هي الثانية منذ أشهر عن الاستحقاق الرئاسي. ولا يرى في المادة 49 ما يشير إلى ضرورة حضور ثلثي أعضاء المجلس. يفلش أوراقاً كثيرة أعدها بعناية، ويستحضر مواد كثيرة من الدستور والنظام الداخلي للمجلس النيابي تخدم فكرته."المادة 34 من الدستور التي تنص على أنه: لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه وتتخذ القرارات بغالبية الأصوات"، ثم يفسر أن"المادة 49 تثبت أن نصاب انعقاد الجلسة وفقاً للمادة 34 هو الأكثرية المطلقة. أي أن الجلسة تنعقد بنصاب الأكثرية المطلقة وانتخاب الرئيس في دورة الاقتراع الأولى يستوجب حصوله على الثلثين، أما في دورات الاقتراع التي تلي فتكفي الأكثرية المطلقة للانتخاب". يستعين فتوش بالمادة 79 من الدستور التي تشترط نصاب الثلثين لانعقاد جلسة تعديل الدستور، والتصويت بالغالبية نفسها. ويقول:"لو كان النصاب هو الثلثان، لفرضت المادة 49 أحكاماً مشابهة لأحكام المادة 79 من الدستور، بدليل أن الأكثرية المطلوبة تختلف بين دورة الاقتراع الأولى والدورات اللاحقة". يتناول فتوش في دراسته مواد لم يتم التطرق إليها قبلاً لاثبات وجهة نظره حول النصاب. ويقرأ إنه"في ضوء المادة 44 من الدستور يمكن انتخاب رئيس المجلس النيابي في الدورة الثالثة بالأكثرية النسبية في حال تعذر انتخابه في الدورتين الأولى والثانية بالأكثرية المطلقة. كما أن الأكثرية المطلوبة لنيل الحكومة الثقة هي الأكثرية النسبية وليست المطلقة". ويحسم بأن"المهم أن يتوافر النصاب القانوني لافتتاح الجلسة عملاً بالمادة 34 من الدستور و55 من النظام الداخلي". لا يبدو كلام فتوش مقبولاً من الخوري الذي يؤكد أن"المادة 34 تأتي تحت باب أحكام عامة. والنص العام يتعلق بكل ما يقوم به مجلس النواب، وهو مختلف عما تكون له نصوص خاصة. وانتخاب الرئيس له نص خاص المادة 49، وفي المبادئ العامة للقانون انه عندما يتعارض نصان أحدهما خاص والآخر عام في الموضوع نفسه، فالخاص يكسر العام"، حاسماً الأمر بأن"ليس هناك إطلاقاً أي ريب أو شك في أن النصاب يكون في الثلثين". هنا أيضاً نجد الرد عند فتوش الذي يقول انه"إذا سلمنا أن الأكثرية المطلوبة دائماً هي الثلثان، فهذا يعني أن الثلث أي الأقلية باتت تتحكم بالأكثرية وهذا مخالف للديموقراطية ولشرعة حقوق الإنسان. والمشترع لم يحدد الثلثين لأنه يخاف من أن تتفق الحكومة مع الأقلية وتعطل الأمر". دورات لاحقة يعكس كلام الخوري وفتوش الرأيين اللذين يحكمان الساحة السياسية اللبنانية في ما خص نصاب انعقاد الجلسة الأولى. ومعهما يبدو الوصول إلى رأي واحد متفق عليه من المستحيلات. أما الحل، فيبدو من كلام فتوش انه في الدورة الثانية من الاقتراع. أي انه"بحسب المادة 34 فإن الجلسة تصير قانونية بمجرد حضور النصف زائداً واحداً، وعلى الرئيس أن يفتتحها. وعندما لا ينال أي مرشح الثلثين، يتم الانتقال فوراً إلى دورات اقتراع تالية حتى يحصل أحد المرشحين على الغالبية المطلوبة للفوز وهي النصف زائداً واحداً". ويضيف أن"ما يؤكد التفسير القانوني للمادة 49، هو ما نصت عليه المادة 55 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وفيها أنه: لا تفتتح جلسة المجلس إلا بحضور الغالبية من عدد أعضائه، ولا يجوز التصويت إلا عند توافر النصاب في قاعة الاجتماع". ويشير إلى أن"النظام الداخلي المكمل للدستور أوجب افتتاح الجلسة عند حضور الغالبية من أعضاء المجلس". لكن، هنا أيضاً للخوري رأي آخر، ف"النص المادة 49 يقول إن الرئيس ينتخب في الدورة الثانية بالأكثرية المطلقة. ولا يقول في الجلسة الثانية، إذ حتى تفتتح الجلسة نحن في حاجة إلى الثلثين. وعندما تفتتح ويتم التصويت ولا يحصل أي مرشح على الثلثين في الدورة الأولى، تجرى دورة ثانية، بالنصاب نفسه وينتخب عندها الرئيس بالأكثرية". ويجزم بأنه"لا تفتتح الجلسة من دون الثلثين. وعندما تفتتح لا تُرفع حتى الانتخاب. وبغير هذه الطريقة يكون الانتخاب غير دستوري بالمطلق وباطل ولا يمكن الاعتراف به". ومع التيقن من صعوبة التسوية بين الرأيين في مجال النصاب، يكثر الحديث عن خطر الأيام العشرة الأخيرة. هذه الأيام جاء الحديث عنها في المادة 73 من الدستور، ونصها:"إذا لم يدع المجلس لهذا الغرض، فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس". لا يعول الخوري أهمية كبيرة على الأيام العشرة الأخيرة. ووفقاً لتفسيراته فإن"جلسة انتخاب الرئيس لا تعقد قبل الوصول إلى الأيام العشرة الأخيرة إلا بدعوة من رئيس المجلس. وإذا لم يدع الرئيس إلى جلسة، فإن المجلس ينعقد حكماً في الأيام العشرة الأخيرة من دون دعوة الرئيس، لكن أيضاً ضمن الأحكام التي تنص عليها المادة 49 أي نصاب الثلثين. ولا يمكن أن تنعقد الجلسة بمن حضر". كلام الخوري يتناقض تناقضاً تاماً مع تفسير فتوش. إذ يبدو الأخير معولاً على الأيام العشرة الأخيرة. ويقول:"عندما يجتمع المجلس حكماً أي بحكم الدستور، فإن ذلك يعني عدم مراعاة الشكليات التي كانت مفروضة في الأحوال العادية. عندها يمكن للمجلس المكتمل نصابه وفقاً للمادة 34 من الدستور أن يباشر انتخاب رئيس الجمهورية، ولا يكون مقيداً لناحية توجيه الدعوة من رئيس المجلس أو حتى لجهة الانتخاب بالثلثين، بل بالأكثرية المطلقة". ويزيد أنه"من غير الضروري أن يحضر رئيس المجلس الجلسة في هذه الحال. عندها يرأس نائب رئيس المجلس فريد مكاري المنتمي إلى الأكثرية الاجتماع الحكمي". انتخابات عبر التاريخ لم تطرح أزمة النصاب تاريخياً بالحدة نفسها التي تطرح بها اليوم. ولم تنعقد أي جلسة لانتخاب أي رئيس من الرؤساء منذ ما قبل الحرب الأهلية حتى الرئيس الحالي من دون توفّر نصاب الثلثين. في استحقاقات كثيرة منها كان الخوري يشغل مناصب رسمية مهمة. ويؤكد أنه"في كل مرة كان يتوفر الثلثان، لأنهم كانوا يعملون بحسب الدستور"، مستعرضاً بعض الوقائع:"في جلسة انتخاب الرئيس بشير الجميل، انتظروا في الفياضية نحو ثلاث ساعات حتى توفر نصاب الثلثين، على رغم الاجتياح الإسرائيلي. وعام 1988 لم ينتخب الرئيس بسبب عدم اكتمال النصاب المطلوب". ويبدي استغرابه من أن"هذه المرة الأولى التي يُحكى فيها عن النصاب". إجابات فتوش حاضرة كالعادة أيضاً. هو يرى أنه"لا لزوم للحديث عن القديم، ففي العام 1991 وضع دستور جديد للبنان اتفاق الطائف". تغيب النواب قانوني! لا مادة في القانون تجبر النواب على الحضور أو التغيب عن جلسات انتخاب الرئيس. وعدا عن قرار قال اتخذه الرئيس نبيه بري سابقاً بحسم جزء من رواتب النواب المتغيبين عن الجلسات من دون عذر، فلا إجراءات قانونية يمكن للأكثرية التذرع بها أو المطالبة باتخاذها في حق النواب المتغيبين بحجة ممارسة اللعبة الديموقراطية. وهو ما يتيح لنواب المعارضة استمرار التشبث بمواقفهم المطالبة بتأمين نصاب الثلثين، مع معرفتهم المسبقة باستحالة تأمين هذا النصاب ما داموا معتكفين عن الجلسات. أيام قليلة تفصل اللبنانيين عن 23 تشرين الأول. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الجلوس على الشرفة واستعادة وقائع جلسة 25 أيلول قد توفر على اللبنانيين زحمة السير الخانقة في شوارع بيروت والإجراءات الأمنية المشددة ليوم إضافي. وسيجد اللبنانيون ربما، متسعاً من الوقت للتفكير في الاحتمالات السيئة للمصير الذي قد يذهب بلدهم إليه.