أسعار النفط إلى 74 دولاراً    القيادة تهنئ رئيسة جمهورية كوسوفا بذكرى استقلال بلادها    حلبة جدة تخطف الأنظار    تزامن فلكي بين التقويم الهجري والميلادي.. مطلع رمضان    نستثمر للوطن    نائب أمير حائل يستقبل رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية للمورينجا    سفراء «الخماسية» يدعمون المرحلة الجديدة في لبنان    رحل.. وخصاله مرآة تقدير في حياتنا    حرم ولي العهد تُعلن إطلاق متحف مسك للتراث «آسان»    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك بورقة علمية في مؤتمر المركز الوطني للوثائق والمحفوظات    معرض جازان للكتاب يشهد حضوراً من الجالية الصينية ويعكس تواصل الثقافات العالمية    "إثراء" يحتفي بيوم التأسيس بأكثر من 30 فعالية    آل الشيخ يدشن مشروع لعقود الصيانة والنظافة والتشغيل لجوامع ومساجد القصيم    «دار وإعمار» للاستثمار والتطوير العقاري تدشن فيلا العرض النموذجية لمشروع «تالا السيف» وتواصل ريادتها في السوق العقاري    ما مطالب إسرائيل من حماس ؟    أمانة تبوك تكثف أعمال الإصحاح البيئي ومكتفحة آفات الصحة العامة    أمانة القصيم توقع مذكرة مع فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد    وزير البيئة يُدشِّن 3 أصناف عالية الإنتاجية من القمح تتناسب مع الظروف البيئية للمملكة    مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين يُقر أعضاء مجلس إدارة صندوق دعم الإعلاميين    المملكة تقدم نموذجًا عالميًا في مكافحة "الاتجار بالأشخاص"    منطقة الحدود الشمالية تضع السعودية ضمن أكبر الدول المنتجة للفوسفات عالمياً    ماذا تقدم بيضة واحدة أسبوعياً لقلبك ؟    المملكة صانعة السلام    لمسة وفاء.. زياد بن سليمان العرادي    في الجولة الأخيرة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي يواجه الغرافة.. والنصر في ضيافة بيرسبوليس    حين يصبح الطريق حياة...لا تعطلوا الإسعاف    في انطلاق الجولة 22 من دوري" يلو".. الجبلين في ضيافة الزلفي.. والعين يواجه البكيرية    تكريم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز في دورتها ال 12    وزير الداخلية ونظيره اللبناني يبحثان مسارات التعاون الأمني    تراجع مفهوم الخطوبة بين القيم الاجتماعية والتأثيرات الحديثة    عيد الحب.. بين المشاعر الحقيقية والقيم الإسلامية    10 مسارات إثرائية لتعزيز تجربة قاصدي الحرمين في رمضان    الدعم السريع يستهدف محطات الكهرباء بالمسيَّرات.. غوتيريش يدعو لوقف تدفق السلاح للسودان    تحذير من أجهزة ذكية لقياس سكر الدم    المملكة العربية السعودية تُظهر مستويات عالية من تبني تطبيقات الحاويات والذكاء الاصطناعي التوليدي    الشيخ السليمان ل«الرياض»: بعض المعبرين أفسد حياة الناس ودمر البيوت    أمير الشرقية يرعى لقاء «أصدقاء المرضى»    «سلمان للإغاثة» يدشن مبادرة «إطعام - 4»    الحجامة.. صحة وعلاج ووقاية    محمد بن ناصر يدشّن حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال    يوم «سرطان الأطفال».. التثقيف بطرق العلاج    الترمبية وتغير الطريقة التي ترى فيها السياسة الدولية نفسها    الملامح الست لاستراتيجيات "ترمب" الإعلامية    القادسية قادم بقوة    يايسله: جاهزون للغرافة    منتدى الاستثمار الرياضي يسلّم شارة SIF لشركة المحركات السعودية    الأهلي تعب وأتعبنا    الحاضنات داعمة للأمهات    ريم طيبة.. «آينشتاين» سعودية !    غرامة لعدم المخالفة !    أمين الرياض يحضر حفل سفارة كندا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روسيا موطن الذاكرة المديدة وعزيمة لغتها وأدبها أقوى من الاستبداد
نشر في الحياة يوم 26 - 09 - 2007

لا ريب في ان النسيان هو من أركان الذاكرة الروسية ودعائمها الأولى: ولكن الجزء الأول من كتاب "مواقع الذاكرة الروسية" يتناول جغرافيا هذه الذاكرة ومحالها الأثيرة. فثمة محال لا يمارس فيها مثل المتاحف والمجامع العلمية والشعائر الأرثوذكسية. وثمة أخرى أقل بروزاً وجلاء مثل اللغة والمنظر وأدب المهجر، ويتصدره إيفان بونين. وتتمتع اللغة الروسية بعزيمة خاصة تجعلها محلاً تحله الذاكرة من تلقاء نفسها. والكتّاب الذين مدحوا هذه العزيمة كثر، من تورغينينييف الى ماندلشتام. وذهب هذا الى ان الروسية بعثت اليونانية, وأزعم ان اللغة الروسية تغور في طوية الكائن فوق ما يسع لغات يغلب عليها التركيب المنطقي، في شأن الفرنسية.
وعلى رغم التهشيم والسحق، لم تنفك الذاكرة الروسية عن التذكر والنقل والتثنية والاستعادة. وهذه ليست حال روسيا وحدها. فالنهضة الأوروبية كانت"ولادة ثانية"أريد بها بعث روما. وأرادت روسيا تثنية تاريخها الخاص ونسخه، الى تثنية تواريخ اجنبية ونسخها. فالثورة البلشفية حسبت نفسها خلقاً من عدم، وصورة ثانية عن الثورة الفرنسية، معاً، وذهبت الى ان ما أخفقت الثورة الفرنسية في إنجازه، جراء ترميدور، الانقلاب على مرحلة روبسبيير، عازمة هي على إنجازه... وكان لينين، كذلك، بطرس الأكبر الثاني. فشأن هذا، قاد لينين ثورة من فوق، وابتدأ من صفر، وعلى خلاف الذاكرة التاريخية الفرنسية، لا نظير روسياً للمؤرخ الفرنسي جول ميشليه. فروسيا تعد، من غير شك، مؤرخين كباراً مثل كارامزين وسيرغي سولوفييف وكليوتشيفسكي... ولكن رواياتهم، على خلاف رواية ميشليه، قصرت عن تحريك مكامن البلد كلها.
وتولى جامعو الأخبار والآثار المحلية حفظ أشياء كثيرة، في أواسط القرن التاسع عشر، ثم في العهد السوفياتي، على رغم دمار عُشر 1920 الكبير. فمن دور الأشراف الريفية وعزبهم، وعلى ما وصفتها روايات تورغينييف، لم يبق اليوم غالباً إلا ممر الزيزفون والبحيرة. ودمرت 39 كنيسة من 40 أُحصيت قبل الثورة 1917 في مدينة أرخانجيلسك... وفي الوسع البناء من جديد، اليوم، ولكن المباني المعاصرة على مثال موروث ليست المباني القديمة والدارسة. وأجيال الروس لم تشب على احترام النصب. وتشبه الذاكرة الروسية العزبات الروسية، على وصف الشاعر تيوتشيف: فهي غنية وثرية من داخل على قدر ما تبدو متواضعة وتافهة من خارج. فما دُمّر مادياً حفظ على صورة أساطير، أو نقله الأدب. وكان على النظام البلشفي أن يحظر الأدب الروسي، على ما صنع ماو تسي تونغ في الأدب الصيني. فلو أوقع على الأدب الروسي الحظر التام لدمر الذاكرة الروسية دماراً تاماً. فالأدب الكلاسيكي الكبير يرعى العدو في الدار. ولا ينفع تصدير العمل الأدبي بمقدمة ماركسية ولينينية شيئاً، فيبقى تولستوي أو بوشكين صاحب درس عظيم في الحرية. وفي دوامة موجة الإرهاب الكبيرة، في 1937، أجمع ستالين والمهاجرون الروس على الاحتفال ببوشكين في ذكرى موته المئوية الأولى.
ولعل روسيا، من وجه آخر، هي وطن الذاكرة المديدة. ونبهتني الى هذا مخالطتي المهاجرين الروس بأوروبا. فهؤلاء لا يكفون عن المفاخرة بالانتصار على البولنديين في 1612. والفرنسيون، على مذهب كالفن البروتستانتي، يحملون مذبحة سان بارتيليمي التي أوقعتها السلطة في الفرنسيين الكالفينيين على حادثة منصرمة. ولكن الروس يرون 1612 تاريخاً قريباً. فالروس يرعون ذاكرتهم المديدة رعاية مَرَضية في بعض الأحيان، ويتعلقون بپ1612. أو ب1812، سنة انتصارهم على نابليون. ويتيح لهم هذا القول: كنا على الدوام ضحية اجتياح وغزو ولسنا شعباً عدوانياً. ولا يفهم الغرب، في أحيان كثيرة، ذاكرة الروس المديدة هذه. وعلى المثال نفسه، تفوق مكانة ذكرى الحرب العالمية الثانية في روسيا -الحرب الوطنية الكبرى، على قولهم - مكانتها في الغرب مئة مرة.
وتزعم روسيا اليوم ان"الإرهاب الدولي"يحاصرها وتنسى انها كانت ربما من ابتكر الإرهاب! واغتيال القيصر ألكسندر الثاني علم على الإرهاب. وجللت الإرهابيين الروس في القرن التاسع عشر هالة احترام وإكبار عز نظيرها. وحين سأل سوفورين، ناشد دوستويفسكي، الروائي الكبير، وكانا يتنزهان بجادة نيفسكي بسان بطرسبورغ، هل يشي برجل باغته وهو يتأهب لاغتيال، فأجابه دوستويفسكي: لا أظن. فالإرهاب عبارة عن جموح روسي الى التطرف، وعن رغبة في تطهير العالم بواسطة اغتيال.
وتحمل الذاكرة الروسية هذه الروس على طباعة كتاب مثل المؤرخين كارامزين وسولوفييف وآخرين. وتستعيد روسيا كبار مهجرييها مثل جورج فيرنادسكي وكان يدرس ببرينستون. والمؤلخ"الأوراسي"هذا، يذهب الى ان الفاصل التاريخي التتري ليس"نيراً"أجنبياً، بل هو حقبة على قدم المساواة مع حقبات التاريخ الروسي الأخرى. فروسيا اليوم دار كثيرة المنازل، ولا تستبعد سوق التداول فكرة ولا سلعة، وليقض الله أمراً كان مقضياً.
ولست أرى في مزج العلم والنشيد الوطني الروسيين الرموز القيصرية والسوفياتية منكراً. فالعلم الفرنسي المثلث الألوان يمزج الأبيض الملكي بلوني باريس المتمردة. والسعي في المزيج الرمزي قرينة على الاعتدال النافع. ومهما كان من أمر بوتين وسياسته"التاريخية"، فمحاولة السلطة السيطرة على الذاكرة، على المدى البعيد، قلما تجدي. والذاكرة الروسية هي صنيعة أصول مثل اللغة والمنظر والتيه والقلق والسعي في الكمال ورفض المساومة والطوبى الاشتراكية الروسية. وهذا أشبه بأسطورة كيتاي، المدينة التي يأهلها العادلون والصديقون واختفت ورفعت هرباً من الفتح التتري. ولا ريب في اضطلاع الأقنعة والانقطاعات بأدوار لا تنكر. فهي تعليل ظواهر راهنة مثل العقد ولكم النفس والكبرياء الوطني، ولكنها ظواهر ثانوية.
عن جورج نيفا مؤرخ الأدب الروسي ومنسق كتاب "مواقع الذاكرة الروسية"، "ليبراسيون" الفرنسية - 6/9/2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.