الكتاب: بوشكين المؤلف: ألن فانشتاين الناشر: وايدنفلد اند نكلسون - لندن 1998 ربما يصعب على القارئ غير الروسي إدراك مدى الاهتمام والرعاية اللذين يحظى بهما الشاعر الكساندر بوشكين من قبل الروس والثقافة الروسية. ففي داخل وعي المجموع نجد أن الروسي الذي يتمتع بقسط يسير من الثقافة ينظر الى بوشكين نظرة شخصية خالدة وحاضر حي لا ينظر مثلها الى كثيرين من رفيعي الثقافة في البلدان الأخرى. ومن المؤكد ان أغلب الشعوب لديها مفردات واقتباسات من أبطال أساطيرهم وملاحمهم، ترد على ألسنتهم كتعابير موجزة ومختصرة، لكن الروس لديهم مقاطع شعرية كاملة لبوشكين، يستخدمونها كمحك أخلاقي ونفسي يقودهم في حياتهم اليومية. من جانب آخر تتزايد الصعوبة لدى القراء غير الروس كلما حاولوا أخذ عينة من هذا النبع "البوشكيني" من الحكمة الشعرية لكي يترجموها الى لغاتهم الأصلية. ان الكلمات الشعرية الرقيقة المكتوبة بوعي وابداع خلاّق وموهبة غير اعتيادية لكي تتلاءم وإيقاعات كلام الناس الروس الاعتياديين وتنسجم مع حياتهم اليومية، تتسلل خلال أصابع يد المترجمين كالرمل بين أصابع اليد المتباعدة. غالباً ما يكون الذي تخلفه الترجمات اما مزخرفاً بزخارف لفظية رنانة - خصوصاً اذا حاول المترجم إعادة انتاج قافية محكمة الصنع عن النص الأصلي - أو مترجماً ترجمة حرفية فقيرة. في كثير من الأحيان تبدو الصورة غير واضحة في ما يتعلق بالروح الروسية، المعروفة بأنها نتاج الاستغراق الذاتي السلافي ووجوب مقارنتها بأدب الأعمال الكاملة التي تعود في غالبيتها الى روايات وشعر أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في فرنسا وانكلترا، خصوصاً تلك التي تنتمي الى فولتير وبايرون. صحيح ان بوشكين كان يلجأ من حين لآخر الى المادة الشعبية الروسية كما في ميثولوجيته الشعبية الصغيرة "روسلان ولودميلا"، إلا أن أشهر عمل له هو "افيغيني أونيغن" الذي وضعه في قالب معاصر موجه الى الطبقة العليا من المجتمع الروسي حيث أغلب قراءاتهم وأحاديثهم تجري بواسطة اللغة الفرنسية. ان شهرة بوشكين وعبقريته الشعرية لا يدين بهما فقط الى حياته القصيرة مات وهو في السابعة والثلاثين، وانما ايضاً لنثر بذوره الغزيرة التي أثمرت في ما بعد عن كتاب كبار تمتد قائمتهم من غوغول وحتى اخماتوف. نقاد الأدب "السوفيات" لهم تفسير بسيط حول أهمية بوشكين وهو تبنيه أفكاراً سياسية تقدمية ومضايقات الحكم القيصري له واهتمامه بالعبيد والاقنان. غير أن هذا هو جانب واحد من الحقيقة التاريخية الى جانب حقائق أخرى. فقد كان بوشكين أيضاً على اتصال شخصي مع "الديسمبريين" الانقلابيين للعام 1828، ووجدت نسخ من أشعاره ضمن أوراقهم. والى جانب كل هذا لم يكن بوشكين مفكراً سياسياً بالمعنى الاحترافي للكلمة، وظل الى الأخير أقل من ناشط أو متمرد. أما معاملته من قبل القيصر فقد كانت تتسم في أحيان كثيرة باللطف واللين. كان نيقولا الأول يعوّل كثيراً على بوشكين ويرعاه رعاية شخصية، بينما كان على بوشكين ان يحيل كل ما يكتبه الى رئيس الشرطة ليفحص النصوص قبل نشرها، كما وأنه كان يتقاضى مرتباً شهرياً منتظماً من البلاط. وأفضل تعبير عن اهتمام بوشكين بالاقنان هو ولادة طفل له غير شرعي من فتاة كانت تعمل على أرضه، كذلك فإن أمه كانت تنتمي الى عائلة افريقية من العبيد، ويذكر ان معاملتها له كانت باردة فيما كان والده قد وهبه نفحة التذوق الى الأدب وترعرعت بذرته الأدبية باكراً. وحينما سُئل بوشكين في أحد الأيام وهو في السابعة من عمره لماذا لا يستطيع النوم اجاب: "لأنني اكتب الشعر". يشترك بوشكين في معظم نقاط ضعفه الأخلاقية مع تلك العوائل النبيلة من الطبقة الوسطى في تلك الأيام، وقصة حياته هي انموذج للانسان الروسي الفطري. ابتدأ كثري مسرف تعوزه اللباقة والكياسة الاجتماعية وزواج تكبله الديون من حسناء تهوى الحياة الاجتماعية الصاخبة، ثم انتهى بمبارزة غبية غير ضرورية مع الضابط الفرنسي جورج دو انثيه. كانت آخر سيرة عن بوشكين صدرت العام 1994 لروبين ادموندز وتركزت على الخلفية السياسية له وعلاقته بحركة "الديسمبريين" وأهميته بالنسبة الى التاريخ الأدبي في تلك الفترة. كانت تلك الببليوغرافيا قد منحت بوشكين نوعاً من الصلادة التاريخية لكونها أكثر اقتراباً الى الجانب السياسي مما الى تدوين سيرة حياة. لكن ألن فاينشتاين التي هي أساساً شاعرة أكثر منها مؤرخة اختارت طريقاً آخر أو بالأحرى طريقين وربطت بينهما. فمن ناحية اهتمت بالجانب الأدبي مقتبسة كثيراً من الفقرات والنصوص الأدبية التي اعتمدت فيها على ترجماتها الخاصة، ومن ناحية أخرى سلكت طريقة تتبع آثار قصة حياة بوشكين العاطفية والشخصية: علاقاته، صداقاته، استياءاته، وطموحاته كموضوع له أهميته الخاصة من دون الضغط بشدة على أهمية الترابط بين الحياة الخاصة والأعمال الأدبية. هذا الطريق هو بالضبط الطريق أو المنهج الجديد الذي جاءت به الكاتبة للمرة الأولى للبحث عميقاً في حياة بوشكين الخاصة. القيمة السردية لهذه الببليوغرافيا تتركز بشكل خاص في ما تحتويه من معلومات جديدة وحديثة حول الحادثة المهمة في حياة بوشكين التي قادته الى الموت المبكر. ومن مفارقات القدر ان الذي قتل بوشكين ليس النفي الى اصقاع سيبيريا أو فأس المقصلة أو أية حادثة مريعة أخرى، وانما زواجه من ناتاليا كونخاروفا ومصاحبتها للضابط الفرنسي جورج دو انثيه. قبل ثلاث سنوات نشرت للمرة الأولى في روسيا مجموعة رسائل من دو انثيه الى ولي أمره السفير الهولندي البارون هيكيرن المعروف بسلوكه الخبيث وعلاقته الشاذة مع ابنه بالبتني دو انثيه. لقد سلطت هذه الرسائل أضواء جديدة على مكائد دو انثيه الذي كان على علاقة بشقيقة زوجة بوشكين كسبيل للتقرب من اختها. وتشير هذه الرسائل والمعلومات الجديدة المتصلة بالمبارزة الى أن الموضوع كان اعقد مما ساد الاعتقاد عنه حتى الآن. وفي الواقع جاء على ذكر بعض هذه المعلومات كتاب آخرون كانوا تناولوا بوشكين من قبل مثل روبين ادموندز. لكن ألن فاينشتاين تناولت التفاصيل المعروفة وتلك التي تحرت عنها حديثاً وأظهرتها الى الوجود واخذت تحللها كيما تتوصل الى استنتاجات جديدة لم يتم التوصل اليها حتى الآن. اضافة الى اقتباس بعض الفقرات المهمة والاستشهادات الضرورية من كتاب روبين ادموندز الذي لا يقل أهمية عن كتابها الجديد هذا