يعاني العراق أزمة قيادية لا تقف عند حدود معينة وإنما تمتد لتصل الى جميع المؤسسات الحكومية والأهلية. وما لم تتم معالجتها بدقة، فإن العراق الذي شهد الهبوط الى أدنى مستويات الدنيا بمعايير التقدم الحضاري سيشهد مزيداً من ركام الخراب والدمار. فالدول العظمى لم تكن تستطيع إثبات جدارتها والوصول الى ما هي عليه اليوم من وحدة واستقرار لولا القيادة المتميزة لقادتها والنخبة التي التفت حولهما. ان وصف حال الشعب العراقي اليوم، هو انه لا يملك إلا أن يستنشق هول الخراب ويزفر آهة ملتهبة من حرارة انعدام القيادة القادرة على إدارة البلد، وتوفير الحرية والرفاه لمواطنيه. وأحد المواصفات السلبية للقيادة، هو القصور في امتلاك الرؤية والإرادة والبعد الجريء لكل قرار وتحرك. وفي وقفة مع الأعمال الإرهابية نجد أن أجهزة إراقة الدم الدولية اغتالت الشرفاء من أبناء هذا البلد، من القيادات الدينية والسياسية والجماهيرية، ومن العلماء والمثقفين والكوادر الشابة الواعدة بحيث تحرم العراقيين من قيادات مستقبلية تحسن التفكير والرؤية والعمل من أجل إنقاذ مستقبل العراق من الآثار الكارثية للاحتلال المدمّر والإرهاب الذي لا يستثني أي فئة وطنية. وبصورة أخرى، فإن الظالم والمظلوم يعانيان أزمة قيادة. فأي قيادة تريد أن تجعل من هذا البلد أنموذجاً لكل معاني الفشل، قيادة تجر أبناء الطوائف المختلفة الى حروب دموية راح ضحيتها آلاف من أبناء العراق وهدرت المليارات فضلاً عن القتل اليومي وتهجير المدنيين الأبرياء، ما سينهي الدور التاريخي للعراق كدولة أخلاقية أو حريصة على صيانة حقوق أبنائها. ان هناك وقفة أخرى تكشف عن التخبطات في السياسة الأميركية التي تريد من العراق أن يكون مختبراً للتجارب من خلال ترويجها لأفكار تروض بها المجتمعات ومن بينها تجارب أشارت إليها تقارير غربية تروج لعملية تغيير في أنظمة الحكم، وقد أصدر مركز الشؤون الدولية التابع لجامعة نيويورك تقريراً بهذا الخصوص يتضمن ثلاثة سيناريوات محتملة لمستقبل العراق بعد الانسحاب الأميركي، أحدها يرمي الى قبول دول الجوار بظهور قائد عراقي ديكتاتوري يوحد البلاد تحت قيادة مركزية قوية. وهذه الحال ليست وليداً جديداً، وإنما هي خلاصة مرحلة تاريخية طويلة. يمكن إحياء مفهوم القيادة بإعطائها روحاً حقيقية تتجاوز التفكير الحزبي الضيق، ومن الممكن ابتكار آليات تجمع بين هذا المفهوم والحاجة المتنامية الى الدور القيادي في إدارة الدولة، وضرورة أن يكون القائد مسؤولاً بما يكفي عن سياسات الأجهزة التي تعمل ضمن نطاق مسؤوليته ويتحرر من اختراق التفكير الفئوي كي يصبح بمستطاع الأجهزة الأخرى مساءلته. وأخيراً يجب أن يعرف القادة في العراق أنهم أمام مسؤوليات كبيرة تتلخص في بناء تجربة جديدة، وحضارية. عليهم معرفة أن الميدان السياسي هو خدمة للإنسان أولاً وأخيراً والتصرف بما يناسبه، وليس ميدان السياسة التسلط على الآخرين والهيمنة على مقاليد الأمور بالحكم. ومن لا تتوافر فيه صفات القائد الناجح، ومقومات الشخصية القيادية فهو سياسي غير مؤهل، وعليه ألا يقحم نفسه والآخرين معه في دخول مضمار السياسة. علي الطالقاني - بريد الكتروني