بانتظار فعاليات 14 تشرين الأول أكتوبر، التي تشد اليمنيين للمرة الأولى نحو الريف حيث يضعف حضور المؤسسة الأمنية التي نجحت في منع خصومها السياسيين من الاستيلاء على مدينة عدن، يشهد اليمن سباقات سياسية وإعلامية بين السلطة من جهة، وجمعيات المتقاعدين العسكريين من جهة أخرى. كل من الطرفين مؤيد ومستفيد، وبينهما من تلتقي بعض أهدافه مع أهداف السلطة أو المتقاعدين، وتختلف معهما في بعضها الآخر. الحكومة تحشد جهوداً نوعية للاحتفاء باليوم وهو ذكرى تفجر المواجهة المسلحة بين مشايخ جنوب اليمن وجنود الاحتلال البريطاني في 1963. ويقام للمناسبة احتفال سيحضره الرئيس علي عبدالله صالح ولم تعلن طبيعته حتى اليوم، هل سيكون كرنفالاً فنياً أو عرضاً عسكرياً, غير أن دعوات وجهت مساء الأربعاء الفائت الى أحزاب المعارضة لحضوره في عدن. أما"جمعية متقاعدي ردفان", المنطقة التي انطلقت منها شرارة تلك الثورة, فهي تعد لمهرجان خطابي يذكّر بمطالب وحدة 22 أيار مايو بحسب رئيس الجمعية العميد المتقاعد قاسم الداعري. وكانت الوحدة حققت مطلباً من مطالب ثورتي تشرين الأول أكتوبر وأيلول سبتمبر وكانت الأخيرة انطلقت في شمال اليمن على نظام حكم ثيوقراطي في 1962. ويقول الداعري ان الاحتفال سيكون أيضاً"ضد خطاب ومنهج وحدة الپ7 من تموز يوليو"، في إشارة إلى ما ينتقده الجنوبيون ومن ضمنهم شركاء الرئيس علي عبدالله صالح، من سياسات أفرزتها طبيعة مراكز قوى معظمها شمالي، مع حلفائها من الجنوب - في يمن ما بعد حرب 1994. ولعل أسوأ آثار تلك الثورة إقصاء قادة جيش اليمن الجنوبي، وتفرد حزب الرئيس صالح بالحكم، وانشغال المؤسسات الرسمية بپ"مصارعة الأحزاب والتضييق عليها، وتهميش أو استقطاب أعضائها في مؤسسات الدولة بدلاً من تحديث مؤسسات الخدمة العامة، والتنبه الى مشكلات البطالة والفقر التي يقوى تأثيرها السلبي في المحافظاتالجنوبية التي عاشت ثلاثة عقود من الاعتماد على مرتبات الدولة الاشتراكية قبل الوحدة". وقال الداعري لپ"الحياة"إن المهرجان الخطابي ستحضره قيادات الجمعيات ومناصرو قضيتهم من محافظة الضالع وغيرها من المحافظاتالجنوبية خصوصاً لحج وأبيَن, مشدداً على"وحدوية التظاهرة"وعلى كونها"تفعيلاً لمطالب الحركة الوطنية التي قامت بها في سبيل يمن موحد ومزدهر يحكمه أبناؤه من دون تمييز". پالسباق على الاحتفال بالرابع عشر من تشرين الاول، جاء تتويجاً لصراعات بين السلطة والمتقاعدين العسكريين الذين غالبهم من قادة جيش جمهورية اليمن الديموقراطية السابقة، والذين يطالبون منذ مطلع العام الجاري بعودتهم إلى العمل في الجيش الذي خرجوا منه جراء حرب 1994حين أقصي الحزب الاشتراكي عن السلطة. وعلى رغم تشكيل لجان ميدانية لتنفيذ قرار الرئيس علي عبدالله صالح لإعادة المسرّحين إلى وظائفهم، وتصحيح الوضع المالي لمن بلغ منهم سن التقاعد، فإن توجساً لا يزال يمنع المتقاعدين من التزام الصمت، بسبب تجربتهم الطويلة التي يقولون إنها أوصلتهم الى قناعة باستحالة ترتيب أوضاعهم من دون ضغط سياسي ينتج منه إغلاق ملف الحرب في شكل نهائي ويعيد الى الجنوبيين مكانتهم في دولة الوحدة التي أقصي بعضهم منها بتهم تتعلق بالانتماء السياسي وبتلك الحرب وما سبقها من أزمات. وما يزيد من شكوك هؤلاء ويدفعهم إلى تصعيد تحركهم ? وفقاً لمصادر متعددة في الجمعيات - هو المنع المتكرر للفعاليات الاحتجاجية، خصوصاً في مدينة عدن واعتقال قادة شاركوا في تلك المناسبات وأبرزهم ناصر النوبة رئيس تنسيق جمعيات المتقاعدين، وحسن باعوم سكرتير الحزب الاشتراكي السابق في محافظة حضرموت، واستخدام الرصاص الحي في مواجهات تصفها الحكومة بأعمال الشغب وأسفرت عن مقتل ثلاثة مواطنين من الضالع وحضرموت. ويسعى المتقاعدون وغالبيتهم من الحزب الاشتراكي اليمني، عبر الفعاليات الشعبية إلى توسيع"حضورهم الجماهيري"، والتقدم خطوة إما باتجاه تحولهم الى قيادة شعبية تنادي بمطالب المعارضة اليمنية، أو الى تعميق هويتهم الجنوبية التي تحميهم من القمع الأمني والعسكري، للدولة الساعية إلى منع اتساع دائرة الغضب. وفي مقابل نشاط جمعيات المتقاعدين المدعوم من تحالف اللقاء المشترك الذي يقود الحزب الاشتراكي مع أحزاب المعارضة في البرلمان بمن فيها"التجمع اليمني للإصلاح"الذي كان شريكاً للرئيس صالح في حرب 1994، فإن خطاباً مرافقاً لقضيتهم جعل السباق نحو إحياء ذكرى أكتوبر أكثر حساسية. فمن جهة تتولى جبهة المعارضة الجنوبية في لندن"تاج"، التي تضم قيادات عارضت الحزب الاشتراكي اليمني منذ توليه الحكم في الجنوب في سبعينات القرن الماضي، تصدير خطاب معاد لپ"الشمال"، وقيادات أحزاب اللقاء المشترك والجنوبيين الذين يشغلون وظائف في الدولة. وذلك في محاولة للتحدث باسم جماهير المحافظاتالجنوبية لتمثيلها مستقبلاً في أي استحقاقات تشريعية أو سياسية. من جهة أخرى، يتولى"تيار إصلاح مسار الوحدة"ويضم قيادات اشتراكية يمكن تسميتها بالصقور، وغالبيتها من قيادات الريف في الجنوب منذ الاستقلال, تصدير خطاب ضد القيادة الحالية للحزب الاشتراكي عبر الفعاليات نفسها في سباق على قاعدة الاشتراكي النشطة، لا سيما في محافظة الضالع. ومن بين هؤلاء العميد المتقاعد ناصر النوبة وهو معتقل حالياً بتهمة التحريض على الصراع المناطقي، وحسن باعوم المعتقل في المكلا بالتهمة ذاتها. يضاف إلى ذلك"تيار التصالح والتسامح"الذي يقوده من الخارج سفير اليمن السابق في دمشق والقائد الأسبق للبحرية حتى العام 2002 أحمد الحسني. وهو تيار، وإن كان حليفاً لپ"تاج"ويتبنى خطابها، إلا أنه يتجنب استعداء أحزاب اللقاء المشترك أو قيادة الاشتراكي، وينشغل بمحاولة معالجة الانقسام الذي أحدثته حرب كانون الثاني يناير 1986 بين فرقاء الحزب الاشتراكي إبان حكمه للجنوب. وكان الحسني غادر عدن بسبب تلك الحرب مع الرئيس الأسبق علي ناصر محمد وعاشا في صنعاء حتى قامت الوحدة، التي اشترط طرفها الجنوبي الذي انتصر أساساً في حرب 1986 خروج جماعة علي ناصر من ترتيبات دولتها, قبل أن يعود صف علي ناصر, والحسني أحدهم، إلى الجنوب على ظهر آليات حرب 1994 التي ساندوا فيها صالح. ووفقاً لبيانات واجتماعات"التصالح والتسامح"، فإن التجمع يحاول توحيد تلك النخبة الجنوبية التي تداولت الانتصار على بعضها بعضاً منذ 1986. السلطة: مخاوف مناطقية وسياسية على رغم كل الاختلافات في التفاصيل بين المكونات المتعددة للاحتفال الشعبي بذكرى أكتوبر، يبقى أن الاحتفال يهدد السلطة الحالية التي تتخوف من خيارين كلاهما سيئ بالنسبة إليها. الأول، هو تصاعد الخطاب الذي يتحدث عن"حق تقرير مصير الجنوب"، وما يعنيه من جدل وأزمات لن تنتهي بعودة الشطرين بل قد تهدد الاستقرار في كل المحافظات اليمنية, خصوصاً ان المعارضة ترفض حتى الآن أي اشتباك مع الخطاب الانفصالي، وتعتبره"مسألة تتعلق بالسلطة التي يمكنها معالجة القضايا وتخفيف الاحتقان بين الناس". أما السبب الثاني، فهو تمكين تحالف اللقاء المشترك من حضور جماهيري يعالج ضعفه منذ هزيمة الاشتراكي عسكرياً في 1994، والإصلاح انتخابياً منذ 1997، وهزيمتهما معاً في انتخابات 2003 البرلمانية و2006 المحلية. خصوصاً ان قيادات ميدانية في المحافظات كالضالع وحضرموت تتولى الدفاع عن أي"اتهامات من تيار مسار الوحدة أو التسامح والتصالح أو تاج". پجهود مشتركة لأهداف متعارضة منذ تصاعدت الفعاليات الجماهيرية في 2 آب أغسطس، عملت الحكومة اليمنية على معالجات مختلفة للمطالب، فشكلت لجنتين رئيستين الأولى لمعالجة قضايا المتقاعدين، والثانية لمعالجة مشكلات الأراضي في محافظة عدن التي تملّكها قادة عسكريون شماليون وجنوبيون، من شركاء نصر 1994، سواء كانت أراضيها خاصة أو تابعة للدولة. وبحسب وزير التعليم العالي الدكتور صالح باصرة، ووزير الإدارة المحلية عبدالقادر هلال ووزير الخدمة المدنية حمود الصوفي، وهم أعضاء في اللجنتين، فإن"اللجنتين استقبلتا تظلمات المعنيين". وفيما شكلت لجان تضم قاضي استئناف لمعالجة ملكيات الأراضي المتنازع عليها، تولى نائب رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، الذي كان وزيراً للدفاع في حرب 1994، وعلي محسن صالح أقوى قادة الجيش"معالجة سطو نافذين مدنيين وعسكريين على أراض تملكها الدولة"، في هذا الوقت أنجزت لجان المتقاعدين حل شكاوى ألف من كبار الضباط المتقاعدين وغالبيتهم من محافظة الضالع. فتسلم هؤلاء مستحقاتهم المالية بعد التصحيح، واتفق معهم على"إعادة من لا يزال في سن الخدمة الى وحدته العسكرية بعد إجازة عيد الفطر". ويذكر أن تظلمات المتقاعدين المختلفة من كل محافظات الجمهورية بلغت 30 ألف حالة. وفي الوقت نفسه أعلنت الحكومة موازنة طارئة لمدة عامين لمحافظة الضالع بلغت أكثر من 8 بليون ومئة مليون ريال علماً أن الدولار يساوي 198 ريالاً. وللمرة الأولى منذ قيام دولة الوحدة تعلن وزارة الإنشاءات سحب مشاريع طرق منحتها لمقاولين قبل أكثر من عشر سنوات من دون أن ينجزوها في تلك المحافظة، التي تضم مديريات من شطري ما قبل الوحدة. وفي مقابل هذه الجهود الحكومية، التي لم تثمر بعد، خصوصاً في ما يتعلق بأراضي عدن وتوزيع المتقاعدين العسكريين الذين لا ينتمون الى أحزاب سياسية على وحدات عاملة، فإن جمعيات المتقاعدين وحلفاءها في المعارضة، أعادت بدورها ترتيب أدائها خلال الأسبوع الماضي، في محاولة لأن يظهر احتفال ردفان"القوة الحقيقية للقاء المشترك ولجمعيات المتقاعدين"كحلفاء توحدهم مطالب مثل"معالجة آثار حرب 1994، وتنفيذ إصلاحات مطلبيه وسياسية". كذلك تفعيل النشاط الميداني"باتجاه الاستعداد المبكر لانتخابات 2009 البرلمانية لمنع حزب الرئيس علي عبدالله صالح من الفوز بالغالبية". وبحسب بعض المصادر، فقد شكلت ثلاث لجان ميدانية من قيادات في جمعيات المتقاعدين والعاطلين وأعضاء مجلس النواب لإدارة الفعاليات وپ"ضبط خطابها وفقاً لأهدافها الرئيسة". الحوار السياسي، ومبادرة الرئيس وفي انتظار ما سيشيعه الپ14 من تشرين الأول من أجواء، فإن محاولات سياسية موازية يسعى من خلالها كل من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، واللقاء المشترك المعارض الى تمرير رؤيته ما فوق المطلبية، فيواصل المعارضون المطالبة بپ"إصلاح سياسي، وتعديل نظام الحكم إلى نظام برلماني"، مقابل إعلان الرئيس علي عبدالله صالح الشهر الماضي بدء التشاور في شأن تعديلات دستورية وقانونية استناداً الى برنامجه الذي أعلنه في انتخابات أيلول 2006 الرئاسية، مقترحاً نظاماً رئاسياً، بسنوات ولاية أقل للرئيس، وحكم محلي كامل الصلاحيات، وتمييز إيجابي للمرأة يكفل لها الحضور بما نسبته 15 في المئة في مختلف المؤسسات المنتخبة. غير أن الطرفين فشلا حتى الآن في جر بعضهما بعضاً الى مواقف سياسية تتعلق بالمطالب التي تتصدر تظاهرات المتقاعدين العسكريين واعتصاماتهم، واحتجاجات محافظة عدن تجاه الأراضي والممتلكات. وفيما يواصل"المؤتمر"إنكار ما تبذله حكومته من جهود لمواجهة المشكلات، ينكر معارضوه أي جهود حكومية، ويتبادل الطرفان خطابات اتهامية عامة، وصلت حد اتهام المؤتمر للمعارضة بپ"الإساءة إلى الديموقراطية والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي", وذلك بعد اعتبار المعارضة نظام الرئيس صالح بأنه"الخنجر المسموم الذي سيشق الوحدة الوطنية، وتغذي سياساته كل المشاريع الصغيرة، وتفتح الطريق أمام التدخلات الخارجية والمشاريع التي تستهدف الأمة واليمن جزء منها". وبعد أشهر من توصل الطرفين الى اتفاق في كانون الاول 2007 يتضمن قضايا للحوار، أهمها ما يتعلق بالتعديلات الدستورية والحكم المحلي والنظام الانتخابي، أعادت الفعاليات الأحزاب إلى نقطة التردد، حيث ينتظر"المؤتمر"تجاوز المشكلات من دون تقديم تنازلات سياسية لخصومه، فيما يأمل المعارضون بمزيد من الضغوط على"المؤتمر"لتقديم تنازلات درج على تسميتها بپ"إعادة الشراكة الوطنية". ولم يتم تحديد إن كان المقصود انتخابات مبكرة، أم حكومة ائتلاف غير انتخابية, علماً أن بعض قيادات المعارضة واصل خطابه قبل انتخابات 20 أيلول مطالباً الرئيس علي عبدالله صالح بپ"الرحيل"، معتبراً أن ما ناله من أصوات انتخابية حينذاك"لا يعبر عن إرادة الناخبين", وأخرى تفصل بين"الحوار السياسي وضرورة تحمل الدولة مسؤوليتها تجاه مطالب مواطنيها الذين لهم الحق في التظاهر والاعتصام للمطالبة بتلك الحقوق".