بين قوس النصر ومتحف اللوفر وبرج إيفل تمتد أضلع مثلث، أطلق عليه أرباب السياحة في فرنسا لقب المثلث الذهبي ويقولون إن قدرته على جذب السياح العرب في الصيف، لافتة. جادة الشانزيليزيه، الجادة الأشهر في العالم، تقع في قلب المثلث المذكور، وقدرتها على الجذب وابتلاع بلايين الدولارات، بفضل السياحة العربية وحدها، تعود إلى أن هذه الجادة تغيّر نبض حياتها صيفاً، ضابطة إياه على إيقاع السائح العربي. الشانزيليزيه، أو"الشانز"، كما يسميها اختصاراً ربع مليون سائح عربي يأتون سنوياً إلى باريس، تستيقظ في الصيف متأخرة، وتسهر أكثر بكثير من عادتها. فالمحلات التجارية التي تقفل أبوابها عادة عند الثامنة مساء، تراها مشرّعة الأبواب حتى الحادية عشرة ليلاً، وهذا السهر يترافق مع ابتسامة تزداد اتساعاً وبريقاً، كلما ارتفع مؤشر"صندوق الغلة"نحو الأعلى. والبسمات، بهذا المعنى، تكثر عند محلات العطور ومساحيق التجميل الفاخرة والاكسسوارات النسائية، اذ بات معلوماً هنا أن السائحة العربية تضع"الشوبينغ"في صدارة أهداف رحلتها الفرنسية. "مقاهي الأرصفة"في"الشانز"لا تشذ عن قاعدة السهر. وهي، وإن كانت تسعّر قهوتها بخمسة أضعاف سعرها خارج هذه الجادة، لا تكتفي بذلك بل تخترع مئة وسيلة ووسيلة لاستقطاب الزبائن. منها مثلاً، حجز الطاولة ذات الموقع الأفضل والأقرب من الشارع، لتمتص المزيد والمزيد من اليوروات. ربع مليون سائح عربي، غالبيتهم خليجيون، قادرون من خلال تمركزهم في"الشانز"على تغيير وجه المكان، وإجبار الفرنسيين العاملين في المطاعم والمقاهي والمراكز التجارية، على التحدث بالانكليزية، هم الذين تروى النكات عن اعتزازهم بلغتهم وعدم إتقانهم غيرها. وأجبر الفرنسيون على الاستعانة بالجارة الألمانية، كي يستطيعوا تلبية طلب السياح الخليجيين، خصوصاً لجهة استئجار السيارات الفاخرة أثناء العطلة. وأضحى مشهد هذه السيارات، وبداخلها سائق مستأجر، مصطفة في شكل متعرج على طرفي"الشانز"، هو أيضاً علاقة فارقة صيفية للجادة. وعلى طول الشانزيليزيه، بين ساحة الكونكورد وقوس النصر، لا بد أن تلاحظ العين العربية صورة الفنان الراحل أحمد زكي، تتصدر ملصقاً إعلانياً لفيلم عن حياة المغني الراحل عبدالحليم حافظ. الملصق يدور ليكشف عن إعلان آخر لفيلم أميركي وآخر فرنسي ثم يعود إلى صورة زكي التي تمثل إعلاناً عن أفلام عربية خالصة، تعرضها إحدى دور السينما في"الشانز". ويقول مدير تلك الدار إن المبادرة خدمة إضافية تقدمها الشانزيليزيه لروادها العرب والخليجيين، مشدداً على ان هؤلاء يمثلون وزناً مالياً لا يستهان به. وللإشارة فان سعر تذكرة هذه العروض يمثل ضعف متوسط سعر التذكرة في فرنسا. باريس خطفت الأضواء من لندن بعد الاعتداءات الأخيرة التي تعرضت لها، وباتت وجهة مفضلة للسائح العربي، الذي ينفق وسطياً مئتي دولار في اليوم متجاوزاً بذلك إنفاق السائح الاميركي الذي يعتبر الأعلى عالمياً. ومتوسط إقامة السائح العربي يصل إلى عشرة أيام، في رحلة غالباً ما تكون عائلية. وقدرت إحدى الدراسات حجم الإنفاق العربي على السياحة خارج الدول العربية بنحو 24 بليون دولار سنوياً، نصفها يأتي من دول الخليج العربي. ويساهم النمو في الاقتصاد والتجارة في منطقة الخليج في زيادة عدد السياح الخليجيين الذين يسافرون الى اورويا غالباً للترفيه. وفصلت جادة الشانزيليزيه بعض خدماتها على قياس السائح العربي، الذي ثمّن أيضاً الطقس الباريسي هذا الصيف. طقس تململ الفرنسيون من غيومه ومطره، وخاصموا الظلال في أيامه المشمسة، متمددين تحت أشعة الشمس، على قلتها، فيما تمنى السائح العربي أن تكون كل أيام إقامته الباريسية غائمة ممطرة، قبل عودته للبلاد لقضاء شهر رمضان.