محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية    أمطار رعدية على اجزاء من مناطق الرياض ومكة وعسير    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    مرصد حقوقي: المجاعة وشيكة في غزة ومليون طفل يعانون سوء تغذية حاد    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    توتنهام يتغلب على أينتراخت فرانكفورت    مجلس الأعمال السعودي الأمريكي يحتفي بمرور 30 عامًا على تأسيسه    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    النفط يسجل زيادة بأكثر من 3 بالمئة    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    ممتاز الطائرة : الأهلي يواجه الاتحاد .. والابتسام يستضيف الهلال    الغزواني يقود منتخب جازان للفوز بالمركز الأول في ماراثون كأس المدير العام للمناطق    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    «تنمية رأس المال البشري».. تمكين المواطن وتعزيز مهاراته    تقاطعات السرديات المحلية والتأثيرات العالمية    هل أنا إعلامي؟!    فرح أنطون والقراءة العلمانية للدين    الاستمرار في السكوت    في إشكالية الظالم والمظلوم    نائب وزير الخارجية يستقبل وكيل وزارة الخارجية الإيرانية    انطلاق مهرجان أفلام السعودية في نسخته ال11 بمركز إثراء    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على الخليج    ضبط إثيوبيين في عسير لتهريبهما (44,800) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    غدًا.. انطلاق التجارب الحرة لجائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا 1 لموسم 2025    أمير القصيم يستقبل مدير فرع الشؤون الإسلامية    القبض على إندونيسي ارتكب عمليات نصب واحتيال بنشره إعلانات حملات حج وهمية ومضللة    عبدالعزيز المغترف رئيساً للجنة الوطنية لمصانع الابواب والألمنيوم في اتحاد الغرف السعودية    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    نائب أمير جازان يرأس الاجتماع الرابع للجنة الإشرافية للأمن السيبراني    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    تخريج الدفعة ال22 من طلاب "كاساو" برعاية نائب وزير الحرس الوطني    بتوجيه من القيادة.. وزير الدفاع يصل العاصمة الإيرانية طهران في زيارة رسمية    جامعة الإمام عبدالرحمن وتحفيظ الشرقية يوقعان مذكرة تفاهم    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    وفاة محمد الفايز.. أول وزير للخدمة المدنية    مجلس «شموخ وطن» يحتفي بسلامة الغبيشي    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    الأمير سعود بن جلوي يرأس اجتماع المجلس المحلي لتنمية وتطوير جدة    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    أنور يعقد قرانه    1.5 مليون طالب وطالبة يؤدون اختبارات "نافس" الوطنية    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    حرب الرسوم الجمركية تهدد بتباطؤ الاقتصاد العالمي    مؤسسة تطوير دارين وتاروت تعقد اجتماعها الثاني    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    رُهاب الكُتب    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"توافقية انتقائية" تتحكم بمصير العراق . علاوي يواصل هجومه على "التحالف الرباعي" المتصدع ... والأميركيون يلوحون بتعزيز دور السنة
نشر في الحياة يوم 12 - 09 - 2007

يتصاعد الجدل السياسي في العراق ليتجاوز أزمة الحكومة الى أزمة الحكم والى عجز أحزاب السلطة الحالية عن إنتاج رؤية وطنية واضحة وجامعة تؤطر شكل العراق على المدى الطويل.
وفيما تبدو الخريطة السياسية العراقية عصية على إمكانات التحليل والتوقع بسبب افتقار أطرافها الى الثبات السياسي، يبدو التوافق على مبدأ إحداث التغيير القاسم المشترك الوحيد الممكن وان كان الخلاف ما زال قائماً في جوهر الأزمة أو في قشورها.
السيناريو النموذجي في العراق ما زال غائباً أيضاً، حتى في الأوساط السياسية الأميركية التي استمرت في نقل تناقضاتها واستقبال التناقضات العراقية.
انخفض مستوى الحماسة لتقرير"كروكر - بتريوس"مع بدء العد العكسي لتقديمه وإطلاق الرئيس الأميركي جورج بوش وأعضاء إدارته جملة تصريحات تهدف الى التخفيف من سقف التوقعات، وتبدو الصورة طبق الأصل عن الظروف التي رافقت تقرير"بيكر - هاملتون"ما يؤكد سعي الإدارة الأميركية الى كسب الوقت في صراعها الداخلي بانتظار تغييرات جوهرية تحدث في العراق على غرار فرضية تحول الأنبار الى اكثر بقاع العالم أمناً على ما يرى الرئيس جورج بوش، أو تمخض الصراع بين المدافعين عن الحكومة الحالية والمعارضين لها عن نتائج محددة.
واللافت أن الولايات المتحدة تخوض للمرة الأولى منذ احتلالها العراق مناقشات داخلية تزداد وضوحاً في شأن الأخطاء التي ارتكبت، ابتداء من قرار الحرب وصولاً الى"قرارات بريمر"وقادت الى ما هو معروف من نتائج كارثية.
على رغم أن تقرير كروكر - بتريوس الذي قدم الاثنين لم يختلف في جوهره عن طروحات الرئيس الأميركي حول تحقيق تقدم في الأنبار وبغداد واحتمال البدء بخفض القوات، إلا أن الصخب الذي صاحب جلسة الاستماع الى التقرير يشير الى دلالات مختلفة.
ويبدو أن تخلي بوش وبريمر عن مسؤوليتهما في حل الجيش العراقي وإلقائهما التهم على بعضهما البعض، وما رافق ذلك من حملة تبادل للاتهامات حول أسلحة الدمار الشامل العراقية بين البنتاغون ووكالة الاستخبارات والبيت الأبيض ومجموعة السياسيين العراقيين الذين قدموا"معلومات مضللة"تعكس بمجملها قناعة أميركية بحتمية التغيير ربما لن تحظى بعد تقرير"كروكر - بتريوس"بمزيد من الوقت.
والدلالة الأميركية الأخرى على التوجه قدماً نحو التغيير تلك الخطوات المثيرة للجدل التي أقدمت عليها الإدارة الأميركية بمعزل عن حكومة المالكي ويمكن إجمالها بالآتي:
- تقريب السياسيين السنة والاستماع الى أفكارهم وتوجهاتهم، وتقديم ضمانات لهم للاستمرار في المشهد السياسي، وهنا يكشف السياسي المعارض صالح المطلك عن"تلميحات يرسلها السياسيون الأميركيون لحضهم على الضغط من اجل تغيير الحكومة".
- وليس بعيداً من هذا الموقف باشر رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي الذي يقود الاتجاه السياسي الداعي الى إقصاء مشروع المحاصصة الطائفية برمته، حملة سياسية واسعة لتغيير الحكومة بتأييد أميركي، وقد انطلق مع محاولات غير مكتملة لتشكيل كتلة سياسية واسعة داخل البرلمان وخارجه، ويكشف هو الآخر للمرة الأولى توسطه في مفاوضات امتدت أشهراً بين الأميركيين وقادة بعثيين كبار من جهة ومجموعات مسلحة ناشطة من جهة أخرى.
- الاتصال الأميركي المنفرد بعشائر سنية ومجموعات مسلحة حصلت بدورها على صفقة جوهرها"نحارب القاعدة ولا نلتزم بحكومة تابعة لإيران"، وهنا يمكن الكشف عن جانب آخر للصفقة قوامه دعم حكومة غير طائفية ضمن العملية السياسية الحالية حتى لو قادها علاوي شرط تغيير النظام السياسي والدستوري الذي يسمح بتصدر أحزاب ذات نزعة مذهبية.
- عقد السفارة الأميركية في بغداد لقاءات منفردة أو جماعية مع قادة وأعضاء في الأحزاب المشاركة في الحكومة والتي هي خارجها لحضهم على التوافق على مبدأ التغيير في العراق ما يشمل التعامل مع مسلحين وبعثيين في المرحلة المقبلة.
- تشكيل ميليشيات المناطق ودعمها عسكرياً ومادياً ولوجستياً خارج منظومة الشرطة والجيش كرسالة مباشرة الى أحزاب السلطة فحواها أن في إمكاننا لو رفضتم أحداث التغيير بالقوة وبيد عراقية.
- تداول معلومات عن تشكيل القوات الأميركية جيشاً داخل الجيش العراقي قوامه ضباط سابقون بهيكلية تندمج في القوات الحالية ظاهرياً وترتبط بالجيش الأميركي عملياً.
وهنا تجدر الإشارة الى عودة نظرية"الانقلاب العسكري"وپ"المؤامرة على العملية السياسية"الى التداول ليس في الأوساط الإعلامية المقربة من أحزاب السلطة ولكن هذه المرة على لسان رئيس الوزراء العراقي وشبكة المستشارين والسياسيين المقربين منه.
حكومة وقوائم ثلاث
تفترض فلسفة أحزاب السلطة الحالية ان العراق يقف على ثلاث أرجل السنّة والشيعة والأكراد وأن معطيات الحكم يجب أن تنسجم مع هذه الفرضية التي يراد لها أن تتحول مستقبلاً الى تقليد سياسي لا يسمح لغير الأحزاب الطائفية عربياً أو القومية كردياً بالوصول الى السلطة.
لكن متغيرات بارزة حدثت خلال الأشهر الماضية ولّدت انطباعاً عاماً بأن نظرية الأرجل الثلاث لن تصمد طويلاً في قيادة العراق لأسباب كثيرة منها:
- ان الحكومة التي تأسست وفق توافقية طائفية وقومية فشلت في إحداث أي فارق يحسب لمصلحتها أمنياً وسياسياً بل ان الاعتراف بالفشل انتقل الى الأطراف التي أسستها.
- أحزاب السلطة "الدعوة"وپ"المجلس الأعلى"والحزبين الكرديين وپ"الإسلامي" وجدت نفسها وهي التي تعتقد ان الفضل يعود لها في إنتاج"العراق الجديد"غير قادرة على تحقيق تمثيل جماهيري محسوم في طوائفها.
- الاتجاه المناوئ لفكرة الأرجل الثلاث بقيادة علاوي بدأ يتحرك ويتسع ليستقطب طيفاً واسعاً من السنة العرب جبهة التوافق وجبهة الحوار وعشائر وجماعات مسلحة وبعثيونن وطيفاً من الشيعة حزب الفضيلة ومستقلون في كتلة الائتلاف وعشائر من جنوب العراق.
- المزاج السياسي المحيط بالعراق ما عدا إيران لا يدعم، بل ويقاوم خروج معادلة السلطة الحالية الى الوجود وتحولها الى تقليد سياسي.
- الحملة الأميركية تراجع خطواتها قبل تجذر العملية السياسية والعراق على أعتاب انسحاب سيجعل من الصعب ضمان بقائه موحداً.
كل ذلك دفع أحزاب السلطة الى التكتل من جديد لأجل البقاء، ولا ينقصها اليوم سوى ضم الحزب الإسلامي لتحقيق هدف بارز يتضمن الالتفاف على مشروع"الحزب الوطني الجامع"الذي يزداد جاذبية على المستوى الشعبي عبر"تكتل سياسي جامع"يحتفظ بجوهر المحاصصة صوتان للأكراد ومثلهما للشيعة وصوت للسنّة.
والتحالف الذي أريد له أن يكون خماسياً وصار رباعياً كان يهدف بحسب مقربين من المخططين له الى الاستعداد لمرحلة انتخابات مبكرة بدأت تتبلور كقناعة أميركية وعراقية في ضوء دعم أميركي وإقليمي للأحزاب العابرة للطوائف.
صراع شيعي - شيعي
ثمة حقيقة تشكل متغيراً حاسماً في الخريطة السياسية العراقية طرأت على كتلة الائتلاف الشيعية أكبر الكتل البرلمانية والمهيمنة على الحكومة 130 مقعداً من 275 وأربكت حسابات القائمين عليها.
فبروز الصراع الشيعي - الشيعي جاء مبكراً وغير مناسب لجهة خوض السياسيين الشيعة صراعاً مصيرياً لنيل"فيديرالية الوسط والجنوب".
انسحبت كتلة الفضيلة 15 مقعداً باكراً من الائتلاف فيما يقف تيار الصدر 30 مقعداً على مسافة اكثر بعداً على رغم عدم إعلانه الانسحاب رسمياً.
وتقف كتلة التضامن 15 مقعداً التي شكلها مستقلون من الكتلة الشيعية على مسافة مشابهة خصوصاً أن فكرة وجود أعضاء مستقلين في الكتلة كانت في الأساس مشروعاً للمجلس الأعلى يضمن ساحة استقطاب تتيح له التفرد بقيادة الائتلاف.
وانفجار مواجهات كربلاء التي لا تنفصل في جوهرها عن أحداث الديوانية والناصرية والبصرة والعمارة وبابل والزركة تجعل التوافق الشيعي - الشيعي أمراً صعباً وموقتاً في العراق ويوجد تذمراً شعبياً واسعاً يحكم باكراً على تجربة الأحزاب الدينية بالفشل.
السياسة الإيرانية في العراق كانت هي الأخرى انفعالية وغير مدروسة على رغم النتائج التي حققتها في مدن الجنوب واستقطابها الطيف الأكبر من السياسيين والميليشيات، ولا مبالغة في القول إن حركة تمرد واسعة تنمو في أوساط الجنوب الشيعي ضد إيران دولة وسياسة وقومية لن تخمدها فرضية المذهب الواحد. ومشروع فيديرالية الوسط والجنوب الذي تدعمه الجمهورية الإسلامية فقد هو الآخر جاذبيته لدى أبناء الجنوب كحل للاضطراب.
وحتى دور رجال الدين والسياسيين المعممين تراجع هو الآخر في جنوب العراق وبات الناس يجاهرون بانتقاد تجربة الأحزاب الدينية ويحملّون العمامة مسؤولية الفشل.
وپ"العمامة"في الواقع بدلالاتها الرمزية لدى الشيعة غير قادرة عملياً على تحقيق سلم أهلي في ضوء انفتاح المذهب الشيعي بنسخته العراقية على التجديد والتعدد في المرجعيات والأفكار والاستقطاب وبالتالي الانفتاح على الصراع. وتجربة حكم الأحزاب الشيعية لم تفرز اضطراباً أمنياً واسعاً وخطيراً فحسب إنما أيضاً مظاهر فساد وفوضى زادت من تعقيد الموقف.
"السنّة"مشروع صراع
الموقف على الجانب"السني"من معادلة الأرجل الثلاث ليس بأفضل، فانحسار سيطرة تنظيم"القاعدة"على المدن السنّية، خصوصاً في الأنبار، فتح المجال لتوقع بروز صراعات جديدة لها أوجه متعددة:
فالعشائر التي قادت الحرب ضد"القاعدة"توافقت مرحلياً وعادت للاختلاف حول تصدر واجهة العمل السياسي، وستّار أبو ريشة الذي قاد"مجلس إنقاذ الأنبار"طرد اثنين من ابرز زعماء القبائل من مجلسه الذي تحول الى"مؤتمر صحوة العراق".
- والمجموعات المسلحة التي تجنبت خوض صراع فكري أو عشائري تواجه اليوم معضلة المنهج الديني الذي يبحث في شكل الحكم ما يتيح تعدد أوجه الصراع مستقبلاً.
- وحمّى الانقسامات داخل تلك الجماعات بدعم أميركي تؤشر هي الأخرى لحرب انتقامات.
- كما ان عودة"البعث"الى ساحة الصراع تعيد التحديات العميقة بين الفكر القومي والفكر الديني.
- والتدخل الأميركي لاستقطاب مسلحين وعشائر يوجد بيئة مناسبة لصراع جديد بين المتعاونين مع القوات الأميركية والمناوئين لها.
- والأحزاب السياسية السنّية التي عملت خلال المرحلة السابقة تجد صعوبة في ضبط نغماتها على تناقضات الموقف السني لتكون ممثلة له.
وهنا تجدر الإشارة الى الرسالة اللافتة التي وجهتها"هيئة علماء المسلمين"أخيراً الى الجماعات المسلحة لحضها على التواضع وتجنب الغرور والتوافق على شكل محدد وواقعي للحكم يأخذ في الاعتبار تعقيدات التنوع العراقي ومعطيات البيئة الإقليمية.
والرسالة في دلالاتها تبحث في الإجابة عن سؤال مؤجل هو"ماذا يريد سنّة العراق؟
لكن المزاج الشعبي السنّي تماماً كما الحال على الساحة الشيعية تغير لمصلحة القبول بتنازلات في شكل الحكم في العراق وحتى في جوهره وهو ما لم يكن متاحاً خلال المرحلة الزمنية الماضية.
وعلى رغم ان الافتقار الى مرجعيات سياسية ودينية واضحة يعمق من ازمة التمثيل السياسي السنّي الا انه يفتح المجال لاستقطابات على أسس غير مذهبية يجد السنّة أنفسهم مجبرين على قبولها للحفاظ على وحدة العراق ووجودهم فيه.
تجربة كردية مهددة
التجربة الكردية هي الأكثر استقراراً وثباتاً في المشهد العراقي المتحرك لكنها هي الأخرى محكومة بقوانين صراع لا يمكن تجاوزها:
- التهديدات التركية والإيرانية وقصف القرى الحدودية انتجت قناعة عامة بان الظرف التاريخي ليس مهيئاً للمضي في مشروع الدولة القومية الكردية ما يتطلب إعادة الحسابات على المدى البعيد وإعادة صوغ تحالفات السلطة لتضمن دولة مركزية محدودة الصلاحيات وأقاليم شبه مستقلة.
- المعادلة العراقية لا تضمن بقاء الأكراد كلاعب أساسي خصوصاً في حال رجحت كفة الاتجاه الوطني الجامع.
- المعارضون للأحزاب الكردية الحالية ينظمون صفوفهم في شكل أحزاب وتجمعات سياسية ويعقدون اتصالات مع الدول الإقليمية والمنظمات الدولية.
الصراع حول مدينة كركوك الغنية بالنفط والبلدات التي تطالب الأحزاب الكردية بضمها الى إقليم كردستان لا يسير بيسر لمصلحة الأكراد مع تنامي اتجاهات أميركية تتبنى أفكاراً تدعو الى تأجيل البت بقضية كركوك والضغط على الأكراد لتقديم تنازلات.
استراتيجيات التغيير
التغيير في العراق حقيقة واقعة وهو مدخل وحيد نحو انسحاب أميركي ربما يكتمل خلال السنوات الثلاث المقبلة.
الخيارات الأميركية المطروحة للتغيير السياسي تدور بحسب مراكز البحوث وتسريبات كبريات الصحف الأميركية إضافة الى قراءات المحللين لمستقبل السياسة الأميركية حول ثلاثة خيارات:
الأول: الاستمرار في العملية السياسية وفق نظرية الأرجل الثلاث مع تغيير الحكومة الحالية لإرضاء معارضيها أو القبول بتشكيل حكومة تكنوقراط على مستوى الوزراء واستبعاد المحاصصة الحزبية، مع الإبقاء على المحاصصة المذهبية والعرقية.
ثانياً: أحداث تغيير جذري في العملية السياسية لدعم بقاء عراق موحد بدعم الأطراف المطالبة بالتغيير ما يشمل فرضية الانقلاب العسكري أيضاً وتأسيس حكومة من نوع الحكومة التركية أو قريبة من مفهوم الحكم في الشرق الأوسط تستوعب المسلحين وتُقصي رجال الدين.
ثالثاً: تقسيم كلي أو جزئي للعراق يضمن فصل الطوائف الثلاث عن بعضها وتأسيس حكومات ترتبط بمواثيق وآليات عمل لا تتيح لها الدخول في صراع مع المكونات الأخرى ما يشمل إيجاد أجواء لهجرات جماعية جديدة على أساس المذهب والعرق.
والخيارات الثلاثة المطروحة أميركياً مطروحة عراقياً أيضاً وربما ما زالت مطروحة منذ اليوم الأول للاحتلال وتجد من يدافع عنها ومن يحذر منها لكنها في النهاية لا تمثل حلولاً مكتملة للازمة العراقية.
السياسيون العراقيون في السلطة اليوم يعتقدون ان"التوافق"بين المكونات الثلاثة هو الحل الوحيد المتاح حالياً، لكن معارضيهم يؤكدون ان دوافع شخصية وحزبية واستخبارية تقف خلف هذا الطرح، وپ"التوافق"كمفهوم سياسي غير متاح في عراق يفتقر الى تقاليد سياسية عريقة.
وأمام هذا التعقيد تبرز وجهة نظر أخرى ترى ان البنى السياسية التي شيدت بعد الاحتلال تمكنت الى حد ما من ضمان استمراريتها تدعمها في ذلك حال الطلاق الطائفي، وضمان التغيير ضمن اللعبة الديموقراطية لا يمكن تحقيقه إلا بصلح حقيقي بين البنى الاجتماعية.
ويسرب سياسيون عراقيون مقربون من البيت الأبيض ان الوقت المتاح للرئيس الأميركي جورج بوش لتغيير استراتيجيته في العراق سيوظف في سحب البساط من تحت أقدام الأحزاب التي يمولها العنف الطائفي.
ويقول هؤلاء ان الضغط الاميركي لاجراء انتخابات مبكرة في العراق لن يكون له اي جدوى وسيفرز قطعاً الوجوه والقوى السياسية ذاتها بمعادلة مشابهة أو قريبة من المعادلة الحالية.
وعلى رغم أن الشعب العراقي لا يثق في العموم بالطروحات الأميركية خصوصاً تلك التي تروّج لحسن نية تجاه العراق والمنطقة إلا ان الخطوات الأميركية التي تؤسس لإضعاف القوى الدينية والفئوية في العراق تدعم هذا الاتجاه.
أفكار في قمة الهرم
يكشف السياسيون العراقيون في قمة هرم السلطة عن افتقارهم الى استراتيجية للتغيير، بل ان مقاومة التغيير والمحافظة على الوضع القائم، تشغل الحيز الأكبر من تفكيرهم وسلوكهم.
ويؤشر مقربون من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى مرونته في التكيف السياسي تحت الضغط فيتراجع عن مطالبته بمزيد من الصلاحيات الأمنية لمصلحة مشاركة مجلس الرئاسة في تلك الصلاحيات ويزور المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني لطرح مشروع حكومة التكنوقراط ثم يدعم عشائر سنية بعد اعتراضه على تسليحها أميركياً.
وبمقدار التخبط الرسمي في الحديث عن"إنجازات"لحكومة المالكي تكشف سياسات الحكومة المرتجلة في كثير من الأحيان نزوعاً نحو تجنب العودة الى البرلمان مرة أخرى لاختيار رئيس وزراء جديد وحكومة جديدة.
والمعضلة الأساسية التي تعيق العودة الى البرلمان تكمن في خلطة المحاصصة الطائفية ذاتها وأسلوب"الصفقة السياسية"الذي اتبع لتشكيل الحكومة، وهو ما يربط مجلس الوزارة ومجلس رئاسة البرلمان إضافة الى الوزارات والهيئات الأمنية والاقتصادية وصولاً الى وكلاء الوزارة في مصير سياسي واحد ولا يتيح نجاح أي طرف في قلب المعادلة لمصلحته.
وهنا تضع النصوص الدستورية التي تشترط تحقيق غالبية بسيطة لاختيار رئيس الوزراء عائقاً كبيراً عندما تشترط في نص آخر ان يحظى رئيس الجمهورية بغالبية الثلثين.
ويمكن العودة الى موضوع"التوافق الإجباري"باعتباره حلاً دستورياً لا مجال لتجاوزه عندما ندرك ان الطرف الحكومي الحالي لا يمثل اليوم سوى 130 مقعداً من 275 مقعداً في البرلمان فيما يحظى الطرف المعارض بپ115 مقعداً مع استمرار المواقف المعلقة لكتلة مقتدى الصدر 30 مقعداً.
لكن البعض يسخر أحياناً من الحدود الدستورية ويرى انها ما زالت عائمة وقابلة للتشكيل والتفسير بالإشارة الى إصرار أحزاب السلطة على تمرير مشروع قانون الأقاليم الفيديرالية على رغم عدم تحقيق توافق في شأنه بحجة ان السقف الزمني المحدد دستورياً قد استنفد، لكن الأحزاب نفسها تؤجل حسم النقاط الخلافية في الدستور على رغم استنفاد سقفها الدستوري منذ ثلاثة اشهر!
ويعلق المعارضون على ذلك بالقول إن"الأحزاب الحاكمة تتبع توافقية انتقائية تتخلى عن شركائها المفترضين حين تصطدم المصالح وتلجأ إليهم في البديهيات". وپ"التوافقية الانتقائية"وحدها ستتمكن من تمرير جملة مشاريع قوانين مثيرة للجدل ومطلوبة أميركياً أبرزها"اجتثاث البعث"وپ"قضية كركوك"وپ"تقاسم الثروات"وپ"قانون النفط والغاز".
ويرى نائب رئيس الجمهورية وزعيم"جبهة التوافق"السنّية طارق الهاشمي ان أسلوب المراوغة الذي مورس ضد"جبهة التوافق"الشريك المفترض في الحكومة كان سبباً رئيساً للانسحاب منها بشرط عدم العودة إلا بضمانات جديدة تنهي مرحلة"التوافقية الانتقائية".
لكن أحزاب السلطة لا يمكن ان تقدم مثل تلك الضمانات خصوصاً حين يتعلق الأمر بمشاريع قوانين ما زالت محل خلاف وپ"انجازات"حزبية ومذهبية وقومية وضعت تحت بند الخطوط الحمر.
المطلعون يحسمون الجدل بالتأكيد أن تكتل الأحزاب الأربعة عازم على تنفيذ حركة التفاف واسعة على المعارضين ستخرج حكومة معظم عناصرها من التكنوقراط ولكن وفق التوزيع الطائفي المعروف، وتحظى بدعم البيت الأبيض ومباركة المرجعية. لكن الأمور لا تجرى تماماً كما تطبخ في أعلى الهرم ويؤكد الطرف الآخر ان في جعبته ما يلعب به خلال المرحلة المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.