يبدو واضحاً منذ الآن، بالادلة وبناء على السوابق، ان المؤتمر الخريفي الخاص بالصراع في الشرق الاوسط والذي اقترح عقده الرئيس الاميركي جورج بوش الغارق وادارته حتى الاذنين في المستنقع العراقي سيكون زوبعة عابرة وليس اعصاراً يغير ملامح الخريطة السياسية للمنطقة او تضاريسها تغييراً ايجابياً. ولا بد من القول في البداية انه سيكون من قبيل خداع النفس وتضليل الآخرين ان يصدق المرء او يفترض ان رئيس الولاياتالمتحدة الحالي الذي انحاز بامتياز الى جانب اسرائيل على حساب الحقوق العربية على مدى القسم الاكبر من ولايتين رئاسيتين على وشك ان يبدل، في الخريف المقبل الذي هو خريف عمره الرئاسي ايضاً، سياساته التي اتبعها حتى الآن. وقد يقول قائل ان الرئيس بوش هو صاحب رؤية الدولتين، فلسطين الى جانب اسرائيل، ولكن بوش هو ايضاً في المقابل اول زعيم دولة كبرى ذات دستور علماني يعتبر اسرائيل دولة يهودية، اي قائمة على اساس الدين وتعتبر ان حدودها هي الحدود التوراتية وان سكانها يجب ان يكونوا جميعاً من اليهود. واذ ندرك ان اسرائيل ليس لها دستور بعد يعرف حدودها وانها مارست التطهير العرقي منذ ان اقيمت بالارهاب وارتكاب المجازر ضد سكان فلسطين الاصليين راجع كتاب البروفيسور الاسرائيلي الان بابيه"تطهير فلسطين عرقياً" وانها ما زالت تصادر المزيد والمزيد من اراضي فلسطين التاريخية لاغراض الاستيطان اليهودي بشتى الوسائل بما فيها الجدار الفاصل العنصري، وجب ان نستنتج ايضاً ان اسرائيل هي الاخرى لا تفكر في تغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً في اي وقت قريب. ما يثبت ذلك هو ان مسؤولين وديبلوماسيين اسرائيليين صرحوا على هامش الزيارة الاخيرة التي قامت بها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس للمنطقة اوائل الشهر الجاري بأن الولاياتالمتحدة تريد من اسرائيل توسيع نطاق المحادثات مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس املاً في التقدم في"قضايا اساسية"مثل حدود الدولة الفلسطينية وغيرها"بطريقة عامة"، مشيرين الى ان رئيس حكومتهم ايهود اولمرت لم يوافق بعد على مفاوضات في شأن قضايا الوضع النهائي التي هي الحدود والقدس واللاجئون. وسرعان ما التقطت رايس نفسها المصطلح الجديد"القضايا الاساسية"وتبنته ورفضت تفسير معناه في مؤتمرها الصحافي في رام الله بعد لقائها مع الرئيس عباس مكتفيةً بالقول ان معناه واضح. وفي مناسبات لاحقة اخذ بعض المسؤولين العرب ستخدمون هذا المصطلح نفسه ربما خشية الاخلال بتفاهمات مع الاميركيين تستبعد الاشارة الى مفاوضات على قضايا الوضع النهائي التي هي جوهر القضية الفلسطينية. ويوم التقى الرئيس عباس في اريحا رئيس الحكومة الاسرائيلية قال الناطق باسم الخارجية الاسرائيلية ان اسرائيل تحاول ان تظهر للفلسطينيين ان بامكانهم تحقيق"فوائد ملموسة"عبر المصالحة مع الفلسطينيين. ومن جهته رحب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ديفيد ويلش بلقاء عباس-اولمرت قائلاً رداً على سؤال انه ليس على علم باي تحضيرات فلسطينية - اسرائيلية لاعداد صيغة لتسوية نهائية لعرضها خلال مؤتمر الخريف، داعياً الى"التريث والصبر"في هذا المجال. وواقع الحال اننا ازاء ثلاثة زعماء كل منهم يعاني ضعفاً يكبل خطاه: اولمرت الذي تعرض لاشد الانتقادات على طريقة تسييره الحرب على لبنان وهو الذي لا ينوي ان يشذ عن السياسات التي اختطها سلفه ارييل شارون تجاه الفلسطينيين، وعباس الذي الحقت"حماس"الهزيمة بقواته في قطاع غزة معتقدة انها حققت نصراً باهراً، وغير القادر على ان يثق باي من واشنطن او تل ابيب او ان يستند الى دعم تنظيم فتحاوي متماسك او موقف عربي مستعد للعب اوراق مساومة قوية في غياب القوة العسكرية، ثم بوش الفاقد الشعبية في بلاده والغالبية في الكونغرس. وهكذا فاننا مقبلون على مرحلة تهدئة وتخدير واجراءات تخفيفية لا مرحلة حلول جذرية تحقق العدالة او تقربنا من حلول نهائية لاقدم صراع دموي في التاريخ الحديث.