يمكن تشبيه إمارة"حماس"في قطاع غزة وإمارة السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس وحكومة الطوارئ في رام الله بقطارين بخاريين لكل منهما سكته المنفصلة وتنبعث من كلاهما سحب دخان كثيفة تزيد الوضع الفلسطيني غموضاً وإرباكاً وبلبلة رغم انهما لا يستطيعان الشروع في أي رحلة الى أي محطة نهاية معروفة. ان هذا هو المشهد الذي ارادت اسرائيل ان تراه وتتمتع بالتفرج عليه كونه واحداً من اهدافها الاستراتيجية. وليس من العدل القاء اللوم كله على حركة"حماس"وحدها او على حركة"فتح"وحدها، اذ لا يمكن الحكم على الأمور في هذا الوضع المعقد بمنطق"هذا ابيض وهذا اسود". لكن الطرفين يستحقان اللوم على سقوطهما بسهولة في الفخ الاسرائيلي، وهبوطهما الى درك اقتتال الاخوة الدموي وصبرهما على الانفلات الأمني وتفشي الجريمة في الاراضي الفلسطينية بما في ذلك عمليات الخطف، خصوصاً في قطاع غزة. كان واضحاً منذ ان قرر رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون النائم في غيبوبة عميقة جداً الانسحاب من قطاع غزة احادياً مع الاحتفاظ بالسيطرة التامة على أجواء القطاع ومياه البحر المقابلة له والمعبر البري الوحيد بينه وبين مصر، ان هدفه عزل القطاع عن الضفة الغربية وضربه اقتصادياً لإفقار سكانه بمنعهم من العمل في اسرائيل وجعل حياتهم جحيماً بتوجيه ضربات عسكرية متلاحقة الى بناهم التحتية كلما اطلقوا قذيفة هاون او صاروخاً محلي الصنع لحملهم على الهجرة الى الخارج او تمني الهجرة في أقرب فرصة. وكان شارون يسعى في الوقت نفسه الى اغتيال قيادات سياسية وميدانية لفصائل المقاومة في قطاع غزة ليستطيع الامعان في تهويد القدس وتسمين المستوطنات القديمة وبناء أخرى جديدة في بقية انحاء الضفة الغربية ويضم الى اسرائيل منطقة غور الاردن الخصبة زراعياً والمهمة استراتيجياً وليضم أيضاً أراضي الضفة الواقعة خلف جدار الفصل العنصري. وقد درج رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي ايهود اولمرت الذي خلف شارون على سياسة سلفه منذ ان حل محله وورث حججه الواهية نفسها المستخدمة في مجال تبرير عدم التفاوض على حل سلمي للصراع مع الفلسطينيين وفي مقدمها الحجة القائلة بعدم وجود شريك مؤهل للتفاوض تنطبق عليه مواصفات المفاوضين. وان كان فوز حركة"حماس"في الانتخابات في أوائل العام الماضي مكّن الحكومة الاسرائيلية من استخدام الحجة نفسها لرفض مجرد مخاطبة حكومة"حماس"كما مكّنها من تجنيد اللجنة الرباعية الدولية الى جانبها وتحويلها من هيئة دولية تعمل لتسهيل التفاوض للوصول الى حل للصراع على أساس دولتين الى هيئة تملي شروطاً تعجيزية لا تخدم في النهاية الا مصلحة اسرائيل، الدولة التي تحتل أراضي الشعب الفلسطيني. والآن، بعد ان سيطرت حركة"حماس"على قطاع غزة بالقوة وصار للفلسطينيين حكومتان واحدة في غزة برئاسة رئيس الوزراء المقال اسماعيل هنية وأخرى حكومة طوارئ في رام الله يرأسها تكنوقراطي هو الدكتور سلام فياض تكرس انقسام صوت الشعب الفلسطيني وارادته ولم يعد اللاعبون الاقليميون والدوليون الفاعلون والكبار يأخذون الفلسطينيين على محمل الجد، ومن المستبعد ان يلتفتوا الى قضيتهم الأساسية ما داموا في اوضاعهم هذه المزرية سياسياً. وربما كان السجال الذي دار امس بطريقة غير مباشرة بعد نجاح حركة"حماس"في تأمين الافراج عن الصحافي البريطاني آلان جونستون بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي ل"حماس"خالد مشعل دليلاً على ان المصالحة بين"فتح"و"حماس"لن تحصل قريباً. اذ فيما قال مشعل ان"حماس"ارادت بعد احداث غزة"انهاء دور امراء الحرب الذين كانوا يشكلون غطاء للفوضى الأمنية"، اعلن عباس ان اختطاف جونستون"على يد جماعة مسلحة ... يجعل من مهمة حل هذه الميليشيات والجماعة مهمة لا تقبل التأجيل". ترى هل يمكن ان يتغير شيء غداً نتيجة عمل تقرره"حماس"او هنية او مشعل او عباس او فياض او دحلان يؤدي الى تقصير اجل الاحتلال الاسرائيلي؟