لا شك في أن أثمن ما قد نطلبه من روسيا هو أن تبيعنا الغاز بسعر رخيص أو معقول، وأن تلتزم تدفق الغاز من دون انقطاع، وأن تستعيض عن حمل ناقلات بحرية نفطَها من البحر الأسود الى العالم بخطوط وأنابيب نفط تمر بتركيا من البحر الأسود والبر الى بحر إيجه أو المتوسط. وشأن الأنابيب البرية أن تخفض عدد ناقلات النفط الروسية العابرة مضيق اسطنبول أو البوسفور. فنحن نتوقع من روسيا أن تسمح بمرور خطوط الغاز وإمداداته الى أوروبا، بالأراضي التركية. وفي حال مرت أنابيب النفط والغاز هذه بأراضيها، أتاح ذلك لتركيا دوراً كبيراً في بورصة الطاقة العالمية. وجليّ أن روسيا هي الجهة المخولة مناقشة هذه الموضوعات، ومناقشتها مع تركيا. ولكن الولاياتالمتحدة تتدخل في المباحثات الثنائية. فأميركا لم تكفها الهيمنة على نفط الشرق الأوسط، وهي تريد التحكم في مسار النفط الروسي لإضعاف روسيا، ومنع هيمنتها على الطاقة في البحر الأسود. وأقنعت واشنطن دول الجوار الروسي بنقل الطاقة عبر الأراضي التركية، عوض الأراضي الروسية، على ما حصل في خط"باكو - جيحان". وهذا الخط ينقل النفط الأذربيجاني من جورجيا الى تركيا والبحر المتوسط. وقد يحسب المرء أن المساعي الأميركية إيجابية، وأنها تخدم مصلحة تركيا. ولكن روسيا ترى أن التعاون الأميركي - التركي، والتزام تركيا استراتيجية أميركا، يرميان الى النيل منها. وعليه، تعمدت موسكو الاقتصاص من تركيا، وفضلت إنشاء خط نفط يمر ببلغاريا واليونان، عوض الأراضي التركية. ويرفض الروس، الى اليوم، نقل نفطهم عبر خط"باكو - جيحان". فهم غاضبون على تركيا. وعلى رغم هذا الغضب، حصلت تركيا على الغاز الروسي، وأبرمت مشروع"الأثير الأزرق"، وهو خط غاز طموح جداً يربط روسيا والبحر الأسود بتركيا. وترغب روسيا في زيادة حجم صادرات الغاز، عبر هذا الخط، الى أوروبا. والحق أن تركيا تنظر بعين القلق الى حاجتها المتزايدة الى الغاز الروسي. وتعارض أميركا زيادة ضخ الغاز الروسي على خط"الأثير الأزرق"، وتزويد تركيا أوروبا بالغاز الإيراني. وفي وسع"خط الأثير الأزرق"أن ينقل الغاز التركماني والإيراني من تركيا الى اليونان وأوروبا. وعلى ما درجت في السابق، وافقت تركيا على مشروع خط"نابوكو"، ودعمته أميركا دعماً مالياً، وسددت لإنجازه 4.6 بليون دولار. ومن المفترض أن ينقل هذا الخط 31 بليون متر مكعب من غاز بحر قزوين الى تركيا، ومنها الى أوروبا. ولم يتأخر الرد الروسي على هذا المشروع. فشقت روسيا خطاً بديلاً وموازياً يتجنب المرور بتركيا، يعرف بالخط الجنوبي. ومن المتوقع أن ينقل هذا الخط 30 بليون متر مكعب من الغاز الروسي الى أوروبا عبر البحر الأسود. وخلاصة القول إن رجاء تركيا من روسيا هو خفض عدد ناقلات النفط الروسية الملوثة، وهي يبلغ عددها نحو 10 آلاف سنوياً، في مضيق البوسفور، وتمكين تركيا من تنويع مصادرها من الغاز والطاقة. فهذا جل ما نريده من روسيا. ولكننا ننساق الى السياسات الأميركية. وهذه تريد إحراج روسيا في البحر الأسود والتضييق عليها. فنمسي طرفاً في صراع روسي - أميركي لا يعنينا. ومماشاة السياسة الأميركية لا تخدم مصالحنا، والعلاقات الحسنة بروسيا مهمة، ويجب ألا نفرط بها. عن غونغور أوراس، "مللييت" التركية، 2/7/2007